استدعت الخارجية اللبنانية، صباح الثلاثاء، السفير الألماني في بيروت، جورج بيرجلن، بعد قرار وزارة الداخلية الألمانية، الأسبوع الماضي، حظر الحكومة جماعة «حزب الله» على أراضيها ووصفتها كـ«منظمة إرهابية». وأكدت الخارجية موقف لبنان المبدئي من أن حزب الله مكون سياسي أساسي في لبنان، ويمثّل شريحة واسعة من الشعب اللبناني وجزء من البرلمان اللبناني. من جهة أخرى، كشف محلل شؤون الأمن القومي، والأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية، المستشار وليد فارس، دوافع وأسباب قرار ألمانيا وضع «حزب الله» اللبناني، على لائحة الإرهاب، موضحا النتائج والتداعيات المترتبة على القرار الألماني. وقال فارس كبير الباحثين في «هيئة الدفاع عن الديمقراطيات» في الولايات المتحدة الأمريكية ومستشار للكونجرس في الإرهاب، والأكاديمي في جامعة الدفاع الوطنية، والذي شغل منصب مستشار العلاقات الخارجية للرئيس ترمب إبان الحملة الانتخابية عام 2016، ومستشار الأمن القومي للمرشح الجمهوري، ميت رومني خلال الانتخابات الرئاسية 2012 ـ إن نتائج وضع حزب الله على لائحة الإرهاب في ألمانيا ستكون أكبر من منع تحرّكاته داخل البلاد، ما قد يؤدي إلى خسائر فادحة في تحرّكات الحزب غير المرئية، وقد تظهر نتيجة أخرى تتمحور حول تقارب ضمن حلف الناتو الذي كان جزء منه يعارض مواجهة نفوذ إيران. وكتب وليد فارس في صحيفة «اندبندنت» البريطانية: بمجرد أن أعلنت الحكومة الألمانية أنها وضعت حزب الله على اللائحة القومية للإرهاب، بدأت الأوساط المراقبة في شطريّ الأطلسي والشرق الأوسط تتساءل عن الأسباب التي دفعتها إلى هذا القرار، وما يمكن أن ينتج عنه، ليس فقط بحق التنظيم المؤيِّد إيران، إنما عن نتائج تتعلق بمواقف الدول الأوروبية الأخرى، وما سوف يكون لذلك من تأثير في مستقبل الشبكة الدولية للحزب. كان ملاحظاً منذ عقود أنه وعلى الرغم من القرارات المتتالية للولايات المتحدة الأميركية في ما يتعلق بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب منذ التسعينيات إثر ما قام به هذا التنظيم من اعتداءات على العسكر والدبلوماسيين الأميركيين في لبنان، واحتجاز الرهائن في طهران، مروراً بتزايد الإجراءات والقرارات بعد أن شارك حزب الله في عمليات إرهابية ضد الوجود الأميركي في العراق، وبشكل غير مباشر عبر دعم فئات معينة بأفغانستان وصولاً إلى تكثيف هذه الإجراءات الأميركية ضد هذا التنظيم في السنوات الماضية بسبب تمدده في جميع القارات من أوروبا إلى أفريقيا وآسيا وصولاً إلى الدائرة القريبة من أميركا، أي في أميركا الجنوبية، فإنّ كل هذا التاريخ الطويل للسياسة الأمريكية ضد حزب الله لم يؤثر في موقف عددٍ من الدول الأوروبية عموماً وألمانيا خصوصاً، بسبب المصالح الاقتصادية لقطاعاتها المالية مع إيران. وبينما وضعت كندا أخيرا حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري على لوائح الإرهاب، وصعَّدت بريطانيا من إجراءاتها ضده، امتنعت ألمانيا رغم الضغط الأمريكي والإسرائيلي والعربي الخليجي عن اتخاذ قرار كهذا، والسبب في ذلك كان يعود إلى مصالح عديدة متشعبة، ففي المراحل السابقة خلال التسعينيات تمنّعت برلين عن اتخاذ خطوة كهذه لتعارضها مع مصالح تربطها بالدول العربية، التي كانت لم تضع التنظيم المؤيِّد إيران على لوائحها، باعتباره كـ”مقاومة” ميدانية ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. ولهذا، فإن ألمانيا ومن أجل أن لا تسيء إلى علاقاتها، لا سيما الاقتصادية مع دول الخليج والرأي العام العربي المؤيِّد حزب الله، تمنّعت عن وضع الحزب على لوائح التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى ذلك تجنّبت برلين تصوير نفسها دولة متماشية مع القرارات الأمريكية أمام بعض الدول التي كان لها مصلحة في تنمية العلاقات الاقتصادية معها، بما فيها البرازيل وأفريقيا الجنوبية والهند وغيرها من الدول التي كانت لتشكِّل أسواقاً إضافية للمصالح الألمانية. إلا أن تحولا جرى في المرحلة الأخيرة، إذ إن البرازيل غيّرت قيادتها عبر انتخاب الرئيس جايير بولسونارو، ووضعت حكومته حزب الله على لائحة الإجراءات، وتقرَّب من إسرائيل، وأنشأ حلفاً دولياً مع أميركا، وهذا ما لفت انتباه ألمانيا، ضف إلى ذلك أن العالم العربي، لا سيما الدول ذات الأكثرية السُّنية وفي وسطها دول الخليج وعلى رأسها السعودية، باتت في حرب مفتوحة مع إيران. ويضيف وليد فارس: من هنا، تكوَّن المحور الأول الذي أقنع القادة الألمان بأن ينتقلوا من الاكتفاء بوضع الجناح العسكري للحزب على لائحة المحظورين إلى توسيع القرار، ليشمل ما يسمّى بالجناح السياسي، ما سبّب مفاجأة لكثيرين. المكوّن الأول اقتصادي مالي ينبثق من حسابات تتعلق بالأسواق، وينطلق من إرادة الألمان، ورغبتهم في عدم خسارة الأسواق الكبيرة في ظل المتغيرات الاقتصادية التي باتت حتمية مع انتهاء كورونا. يبقى أن تمسُّك ألمانيا بعدم التصعيد كان في الأساس مبنياً على منطق عدم التصعيد ضد إيران والتمسّك بالاتفاق النووي الإيراني، الذي عملت المستشارة أنغيلا ميركل على تركيزه منذ عام 2015 مع إدارة أوباما وقتها، وقاومت الحكومة الفيدرالية الألمانية فكرة وضع حزب الله على اللائحة خوفاً من تأثير ذلك في دعمها الاتفاق النووي الإيراني، وانهيار محور آخر للأسواق الألمانية، غير أنّ الأزمات الأخيرة وتصاعد التظاهرات ضد النظام في إيران وسوء معالجة أزمة كورونا في الداخل الإيراني مع تحليل دولي جديد عن احتمال نشوء حالة عدم استقرار في طهران بعد كورونا، ربما أسهمت في تخلي ألمانيا عن التزام التضامن مع الموقف الإيراني، وعدم التصعيد مع حزب الله. لكن، ما حسم موضوع حزب الله، أكبر من ملفات الاقتصاد والمال والسياسة والدبلوماسية، ويدور حول تصرّف أنصار هذا التنظيم داخل ألمانيا، إذ إنّ الرأي العام الألماني ومنذ نصف عقد بات مكفهراً من تصرّفات المتطرفين الإسلاميين في ألمانيا الذين حاولوا تعبئة الجاليات الشرق أوسطية عموماً، والتركية والعربية خصوصاً من أجل تثبيت أجنداتها السياسية وتأثيرها في السياسة الخارجية الألمانية. وتحوّلت أزمة النازحين واللاجئين إلى أزمة اجتماعية داخلية في المدن والبلدات الألمانية، وأدّت إلى صعود نفوذ اليمين القومي الألماني المتطرف، ما بثَّ هلعاً لدى المؤسسات السياسية اليمينة واليسارية المعتدلة، بالتالي اتخذت السلطات الألمانية إجراءات متصاعدة ضد المجموعات التكفيرية، رابطة إياها بـ”القاعدة” و”داعش”، غير أنّ حزب الله وأنصاره تشجّعوا بسبب الموقف الألماني من خصومه السُّنة، وبات يحاول كسب عاطفة الشارعَين العربي والإسلامي في ألمانيا، فصعّد من تحركاته على الصعيد الديني والثقافي والسياسي ليملأ فراغ انحسار السلفيين، وهذا كان خطأ استراتيجياً كبيراً لقيادة حزب الله بالخارج، إذ إن السلطات الألمانية حسمت أمرها من حزب الله سريعاً بعد رؤية تحركات كوادره في الداخل، ومهّدت تظاهرة حزب الله لمسيرة ضخمة في ما يسمّى يوم القدس إلى اتخاذ القرار الألماني بشكل حاسم، ومنع الاحتفال الذي كاد أن يسبب اضطرابات تهدد الحكم في ألمانيا. أمّا نتائج وضع حزب الله على لائحة الإرهاب في ألمانيا ستكون أكبر من منع تحرّكاته داخل البلاد، فالقرار وضع حدّاً لحملات التبرعات، وحصر تحركاته الحزبية ومراقبة أعماله الميدانية، ما ينتظر أيضاً وبناء على هذا القرار، أن تبدأ السلطات الألمانية والأمريكية وحكومات أخرى بتبادل المعلومات حول خلايا حزب الله، وقد يمتد التعاون إلى الدول العربية وإسرائيل، ما قد يؤدي إلى خسائر فادحة في تحرّكات الحزب غير المرئية. وقد تظهر نتيجة أخرى تتمحور حول تقارب ضمن حلف الناتو الذي كان جزء منه يعارض مواجهة نفوذ إيران، وبالتحديد عندما كانت فرنسا وألمانيا تتصديان لطلبات أمريكا في هذا الموضوع، إذ إن وحدة الموقفيَن الأمريكي والألماني ستشكّل ضغطاً على فرنسا التي تعدُّ الدول الأوروبية الكبرى التي لم تتخذ قراراً مماثلاً بحق الحزب، وستجد باريس نفسها في موقف معزول بين ألمانيا وأمريكا، ما قد يؤدي إلى مراجعة حساباتها، علماً أن الجيش الفرنسي وأجهزته لديهم حساب قديم بعد الهجوم على مركز المظليين في لبنان عام 1983، إضافة إلى تحديات أخرى على مدى ثلاثة عقود.
مشاركة :