فرضت علينا جائحة الكورونا هذه السنة أن تجري الأمور خلافًا لما درجت عليه عاداتنا نحن أهل البحرين في شهر رمضان من كل عام، فبعدما كان التواصل ينال مكانته المناسبة من يومياتنا، إذ يأخذ فيها حيزًا زمنيًا في برنامج الإنسان البحريني اليومي يرتبه في دقة وفق متاحات الزمن اليومي بين تلبية احتياجات أسرته وبين وقت ينصرف في القيام بالزيارات المسائية المعتادة في مثل هذا الشهر. لن يكون لنا في رمضان من هذا العام أن نجدد العهد مع عاداتنا، امتثالاً منا للإجراءات الاحترازية الصادرة من الفريق البحريني الطبي؛ ليكون التعامل فاعلاً مع قسوة فيروس كورونا الذي غزا العالم وفتك بحياة البشر بتوحش الضواري. من أجل هذا ترى الأسر البحرينية في رمضان هذا العام تُمضي معظم أوقاتها موزعة بين العبادات وأمام شاشة التلفزيون لمتابعة مسلسلات رمضان أو التواصل الاجتماعي عبر وسائل التقنية الحديثة. صحيح أن شهر رمضان شهر العادات والعبادات، ولكنه أيضًا موسم الذروة في الإنتاج التلفزيوني وخاصة منه الدرامي ففي كل رمضان تتنافس محطات الإنتاج والتلفزيون في عرض ما أنفقت الشهور في إعداده من مسلسلات، وتتخذ من هذه المادة الترفيهية مساحة استثمارية مهمة تتجلى في زحمة الإعلانات، وفي هذا أيضًا تقليد تلفزيوني رمضاني تأقلمنا معه بمرور الأعوام. ولعله من حسن الطالع في رمضان هذا العام أن جائحة الكورونا لم تحرمنا متعة اكتشاف أعمال درامية جديدة خليجية ومصرية وسورية ولبنانية، تعكس من زوايا نظر فنية متنوعة واقع المجتمعات العربية، الحديث منها والقديم، تصريحًا وتلميحًا بحسب المتاح من فرص التعبير الجمالي في هذه الأعمال. ولم تقطع الكورونا عادة الجدل حول هذه الأعمال وانقسام الناس بين مؤيد معجب ومشكك منتقد ورافض ثائر، وهو جدل أراه من علامات صحة المجتمعات وانتباهها إلى أن المادة الفنية يمكن أن تكون منطلقا لمناقشة قضايا اجتماعية ما كانت تنال حظها من الحوار في سائر الأيام. لقد أثارت بعض هذه المسلسلات الكثير من النقاش واحتدم من حولها الجدل بسبب أهمية القضايا المطروحة وجودة تناولها وإنتاجها وإخراجها والخلطة المدروسة لممثيلها التي كانت سببًا في نجاحها. والجيد في أمر هذه الجدالات التي دارت حول بعض المسلسلات، وأخص بالذكر هنا ثلاثة منها، اثنين خليجيين هما «أم هارون»، و«مخرج 7» ومسلسل مصري «الاختيار»، هو أنها قد شجعت المواطنين والمقيمين بدول مجلس التعاون على متابعة هذه المسلسلات لكي تتعمق لديهم في الوجدان القيم والأفكار التي تنشدها هذه الأعمال الدرامية، وخصوصًا فكرتي المواطنة والوطنية وما تتطلبانه من تحلٍّ بقيم التسامح وقبول الآخر المختلف مهما كان دينه أو مذهبه أو لونه أو عرقه، وهي واحدة من الأطروحات الرئيسة التي أقيم عليها الخطاب الدرامي في مسلسلي «أم هارون» ومخرج 7، هذا فضلاً عن مبادئ التضحية والتفاني في خدمة الوطن والشجاعة ونبذ الإرهاب ومحاربته وهي المحاور الدرامية الرئيسة في مسلسل «الاختيار». الجدل حول الأعمال الفنية عمومًا والدرامية على وجه الخصوص له أهميته وأبعاده التطويرية المتوخاة في النواحي الكتابية والإخراجية والأدائية، لكن إذا كان الجدل مبنيًا على مواقف سياسية للقطات مجتزَأة من الدراما المعروضة، كما هو الحال مع المسلسلات الثلاثة المذكورة، منذ عرض الحلقتين الأولى والثانية من المسلسلين الخليجيين، فإنه عادة ما يتخذ وجهة حادة، من ذلك مثلاً أن بعضهم، وبناءً على لقطات اختيرت بقصد، خرج علينا برأي عجيب يرى فيه بأن هذين المسلسلين يدعوان إلى التطبيع مع إسرائيل! هكذا، وببساطة ومن دون أن نسمع لهؤلاء نقدًا فنيًا للعمل. جماعة هذا الرأي، الذي أراه رأيًا متطرفًا، فاتهم أن المسلسلين يعرضان واقعًا اجتماعيًا مرّت به بعض دول الخليج العربي. فمسلسل «أم هارون» مثلاً يتحدث عن حقبة زمنية ليست بعيدة في التأريخ، وقد عايشها كل من ولد نهاية عشرينيات القرن العشرين. وليس واضحًا إن كان المسلسل يتحدث عن الولّادة أم جان التي كانت يداها أول من لامست أجساد الكثيرين ممن ولدوا في الفترة من الخمسينيات إلى نهاية السبعينيات، لكن الأكيد أنه يتحدث عن حقبة زمنية كانت فيها القيم الإنسانية في أعلى وأبهى تجلياتها في المجتمع البحريني. من وجهة نظري الشخصية أن ما عُرض من حلقات المسلسل حتى الآن يشي بما لا يدع مجالاً للشك أن الهدف منه هو تسليط الضوء على الواقع الاجتماعي المضيء لفترة من الزمن لم تكن فيها حقوق الإنسان بهذا الزخم الذي تتحدث عنه المنظمات اليوم، ولهذا فهو يستحق منا وقفة تقييم حقيقية بعيدًا عن ممنوعات العقيدة ومكبلات الإيديولوجيا. كما يستحق شخوص العمل الثناء والتقدير؛ إذ وفقوا في عرض الواقع الاجتماعي لمرحلة من مراحل التطور الاجتماعي للمجتمعات الخليجية وخصوصًا، مجتمعي الكويت والبحرين في مسلسل «أم هارون»، وقد كان هذا العرض ذكيًا في ملامسته المباشرة لإيديولوجيا الإخوان المسلمين في تصوراتهم المغالطة حول التركيبة الاجتماعية للبلدان التي يتحدث عنها هذا المسلسل، ففكرة المواطنة الجامعة والانتماء المتعالي على شروط العقيدة والدين والمذهب تنسف أطروحة الصفاء الديني الإخوانية من أساسها. ولعلي هنا ألفت نظر القارئ إلى أنه ما كان لمسلسل «أم هارون» أن يلقى نقدًا سلبيًا لو أنه كان من إنتاج كويتي صرف، ذلك أن قنوات الإعلام القطري يختل توازنها وتستنفر كل طاقاتها وتحشد طواقمها العاملة على كل المنصات عندما تشهد اسم مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مضاء على كوة النجاحات! وكذا شأنها حين يفضح عمل درامي أكاذيبهم وجرائمهم في أرض الكنانة أو في غيرها من بلداننا العربية التي ابتليت بسرطان الاخوان المدعوم قطريًا.
مشاركة :