زيادة أقساط الديون عن العام الماضي ب ٤٨٪ صفقات سلاح لا داعي لها ب ٦٠ مليار دولار بناء القصور والعاصمة الإدارية .. عنوان للإسراف لا سياسة مالية واضحة .. والقرارات تتخذ بعشوائية بقلم: د. زكريا مطر:.. خرج وزير المالية المصري في ١١ مارس ٢٠١٩ يندب حظه على قناة فضائية مصرية، ويقول إن فوائد وأقساط الديون تستهلك الإيرادات ولا يبقى عنده إلا أقل من 100 مليار جنيه للمصروفات، ولمّا سألوه «وحتعمل إيه؟، قال: حاستلف تاني». ومر عام وجاء آخر أكثر سواداً وقتامة. وسأكتفي بهذه المُقدّمة لأشخّص حالة الاقتصاد المصري المُتردية وبما تسمح به المساحة المُتاحة لي مُعتمدًا على ما صدر من بيانات وردت في تصريحات وزير المالية المصري، وفي البيان التمهيدي لموازنة ٢٠ / ٢١، حيث لم تصدر الموازنة المُعتمدة للآن، مُخالفة للدستور وذلك كالآتي: > بلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام ٦٨٤٤ مليار جنيه بزيادة ١٣،٥٪، عن العام الماضي وبلغت الإيرادات حوالي ١٢٨٩ مليار جنيه بزيادة ١٣،٦٪، عن العام الماضي منها حوالي ٩٦٥ مليار جنيه أو نسبة ٧٥٪، مُحصلة من الضرائب وبزيادة حوالي ١٢،٦٪، عن العام الماضي أي أن الزيادة في الإيرادات راجعة لزيادة الضرائب. > تبلغ فوائد الديون لهذا العام ٥٦٦ مليار جنيه وبنسبة زيادة حوالي ٦ ،. ٪، عن العام الماضي وبلغت أقساط القروض ٥٥٥،٦ مليار جنيه بزيادة قدرها ٤٨٪ عن العام الماضي وذلك بمجموع ١١٢١،٦ مليار جنيه للفوائد والأقساط، ويعني هذا أن ما يتبقى من إيرادات الموازنة هذا العام بعد تسديد الفوائد والأقساط حوالي ١٦٧مليار جنيه فقط للصرف على باقي بنود الموازنة. > يتضح حجم الكارثة إذا علمنا أن المصروفات المُقدّرة بموازنة هذ العام هي ١٥٤٦مليار جنيه، ويعني هذا أن الفرق وهو ١٣٧٩ مليار جنيه أو ٩٠٪، من المصروفات سيتم اقتراضه بوسائل الدين المختلفة من سندات وأذون الخزانة والاقتراض الخارجي، وباختصار فإن مصر تقترض يومياً ما قيمته ٧ مليارات جنيه غير ما يتم طبعه بدون غطاء في البنك المركزي، وهذا غير معلوم، وذلك لسداد العجز في الموازنة وتلبية باقي الالتزامات. · التناقضات والتلاعب في أرقام الموازنة: ١- تزيد أقساط الديون عن العام الماضي بحوالي ٤٨٪، في حين تبقى الفوائد مساوية تقريباً للعام الماضي، ومهما قيل في تبرير ذلك بأنه تم تخفيض فوائد الاقتراض من ١٧٪، إلى ١٣٪، فهذا غير مقنع أبداً !! ٢- ورد في البيان التمهيدي لموازنة هذا العام أن إجمالي الدين المستهدف هو ٥٧٠٠ مليار جنيه منها ٤٨٠٠ مليار جنيه ديون داخلية والباقي وهو ٨٧٣ مليار جنيه هو ديون خارجية مقوّمة بالجنيه المصري، وهذا تلاعب واضح بالأرقام، لأن الدين الداخلي لا يتضمّن ديون بنك الاستثمار القومي وديون الهيئات الاقتصادية والتي تكون في حدود ألف مليار جنيه. ٣- حسب بيانات البنك المركزي فإن الديون الخارجية لمصر بلغت حتى آخر ديسمبر ٢٠١٩م حوالي ١١٢،٦ مليار دولار، وإذا اعتبرنا كما ورد في تصريحات الوزير أن السعر المقوم به الدولار في موازنة هذا العام هو ١٥،٦٥ جنيه للدولار ما يعني أن قيمة الديون الخارجية بالجنيه المصري يجب أن تكون ١٧٦٢ مليار جنيه وليس ٨٧٣ مليار جنيه وذلك بزيادة قدرها حوالي ٨٩٠ مليار جنيه وهذا تلاعب واضح بالأرقام. ٤- يتضح حجم كارثة الدين في مصر حسب تقديراتنا حيث يبلغ الآن حوالي ٨٤٦٢ مليار جنيه وذلك حتى نهاية عام ٢٠١٩، إضافة إلى ما تم اقتراضه خلال ٤ شهور داخلياً وخارجياً بعد آخر تقدير للديون وحتى الآن ، وهنا يتضح حجم الكارثة إذ يبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي ١٢٤٪، بينما الحدود المسموح بها هي ٦٠٪، من الناتج المحلي الإجمالي فقط، ويكون حمولة الفرد المصري من الدين هي حوالي ٨٥ ألف جنيه لكل مصري من عدد السكان البالغ ١٠٠ مليون مصري، ويتحمّل كل فرد سنوياً ما قيمته حوالي ١١٢١٠ جنيهات من الأقساط والفوائد سنوياً، كان المفروض أن توجّه لحل أزماته المُستعصية من غذاء وسكن ولبس وصحة وتعليم وغيرها. > حسب مواد الدستور ال ١٨ و ١٩ و٢١ فإن ما يجب تخصيصه للصحة والتعليم والبحث العلمي لا يقل عن ١٠٪، من الناتج المحلي الإجمالي أي حسب بيانات هذا العام ٦٨٤ مليار جنيه، وبسبب كارثة كورونا وتضارب التصريحات حول هذه المُخصّصات هذا العام وعدم إصدار الموازنة المعتمدة حتى الآن فإنه عادة لا يتم تخصيص سوى ٤٠٪، من هذه القيمة يستهلك معظمها في الأجور والبدلات. > تنص المادة ٢٥ من الدستور على التزام الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار، كما تلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني وذلك وفق خطة زمنية محددة، وهذا لم يحدث أبداً في مصر، ولم يخصّص في الموازنة ولا جنيه للقضاء على الأمية، ولم تعد أي خطة في بلد تبلغ نسبة الأمية فيه ثلث الرجال ونصف النساء. > سأتكلم الآن بشكل موجز جداً عن الديون الخارجية والاحتياطي النقدي والبطالة والتضخم والأزمات الأخرى المتراكمة في مصر، وقد يكون الكلام أكثر تفصيلًا لاحقًا إذا أتيحت لي الفرصة والمساحة الكافية مستقبلاً، ولكني أشير بإيجاز إلى بعض النقاط المهمة والتي تعد تكملة لهذا الموضوع وذلك فيما يلي: - تم سحب ٥,٤ مليار دولار من الاحتياطي بالعملة الأجنبية بالبنك المركزي والباقي من الاحتياطي الآن هو ٤٠ ملياردولار فقط لا تمتلك مصر منه في الحقيقة غير رصيد الذهب ووحدات حقوق السحب الخاصة والتي هي في حدود ٥ مليارات دولار والباقي هو ودائع وقروض مُستحقة السداد للخارج، حيث يستحق سداد حوالي ١٨,٦ مليار دولار هذا العام حسب التصريحات الرسمية وحوالي ٢٦ مليار دولار حسب التصريحات غير الرسمية، وهذا الاحتياطي يكفي لتغطية الاحتياجات لمدة ٦ شهور فقط علماً بأن السيسي صرّح من شهر بأن الاحتياطي الاستراتيجي يكفي ٣ شهور فقط مر منها شهر حتى الآن. > تضرب أزمة الكورونا الاقتصاد المصري بشدة وتسرع به إلى الإفلاس حيث أن كل موارد العملة الصعبة قد جفّت حيث توقفت السياحة تماماً وتناقصت تحويلات المصريين بالخارج بعد تسريح آلاف العاملين في الخارج وتدهور دخل قناة السويس إلى النصف تقريباً ولا يوجد تصدير، حيث توقفت التجارة العالمية وكذلك انقطعت معونات الخليج وأصبح الاقتراض الخارجي شبه مُستحيل أو غالي التكلفة جداً وهربت نصف الأصول الساخنة أو حوالي ١٢ مليار دولار ولم يعد هناك استثمار أجنبي مُباشر الآن، وتدهور الإنتاج والطيران وزادت التكاليف كثيراً، ويكفي العلم أن مصر أكبر مُستورد للقمح في العالم أو حوالي ثلثي احتياجاتها وتستورد ٩٠٪، من الزيوت و٩٠٪، من مُستلزمات الأدوية والقائمة طويلة لا يتسع المجال لذكرها ، فمصر تستهلك ولا تنتج حتى الفول وهو الغذاء الرئيسي الشعبي يتم استيراد ٩٠٪ منه. > تتوجه مصر إلى صندوق النقد الدولي لطلب قرض عاجل لم يُحدّد قيمته بعد، وإن كانت بعض التصريحات تقدّر أنه ٧ مليارات دولار، علماً بأن القرض الأول والبالغ ١٢ مليار دولار وتم استلامه كله، لم يتم البدء في سداده، كذلك يتم الآن التوجه لسوق السندات الدولية لمحاولة طلب قروض باليورو بفائدة باهظة تبلغ أكثر من ٨٪، سنوياً وطبعاً صندوق النقد الدولي له شروطه المُذلة مثل رفع الدعم وتسريح العمالة وخصم من المرتبات وفرض ضرائب زيادة ورسوم تنمية مُجحفة مع تناقص الدخول وتدهورها، وفي الوقت الذي نقص فيه سعر البترول عالمياً بأكثر من النصف لحوالي ٣٠ دولاراً للبرميل، فإن المواطن المصري لم يشعر بذلك وتم زيادة السعر عليه، علماً بأن السعر المُقدّر لبرميل النفط في الموازنة لهذا العام هو ٦١ دولاراً للبرميل وكل نقص دولار للبرميل في السعر يعني وفراً قدره ملياراً ونصف المليار جنيه في الموازنة، وهذه قصة أخرى قد تتاح الفرصة للكلام عنها لاحقاً. > لا توجد سياسة مالية ولا نقدية واضحة ولا يوجد تنسيق بينها والقرارات تتخذ عشوائية وفردية ومُرتجلة ومُتسرعة وتكون نتيجتها كارثية مع قبضة أمنية ثقيلة ومنها الإسراف والاستهتار في بناء القصور والعاصمة الإدارية الجديدة بما فيها من بذخ وإسراف إضافة إلى صفقات سلاح بلغت حوالي ٦٠ مليار دولار لم يكن هناك داع لها وكان يمكن أن توجه للتنمية. وأعتذر بشدة عن الإثقال عليكم بمثل هذه التقارير والمحشوة بالأرقام والنسب واليأس والإحباط، وأتمنى أن أتكلّم معكم لاحقاً حول إمكانية وجود حلول لكارثة الاقتصاد المصري ووقف اندفاعه للهاوية. استشاري اقتصادي
مشاركة :