فاقم انحدار سعر صرف الدينار في السوق السوداء من حجم الضغوط على الحكومة الجزائرية لمعالجة الشلل الاقتصادي الناجم عن انتشار الفساد والبيروقراطية. وقال محللون إن الاقتصاد وصل إلى طريق مسدود في وقت أقرت فيه الحكومة بالحاجة إلى إصلاحات عميقة وشاملة. الجزائر - شكل تراجع قيمة الدينار الجزائري في السوق السوداء إلى مستويات قياسية هذا الأسبوع صدمة كبيرة حذرت من تداعياته الأوساط الاقتصادية، في وقت تشهد فيه البلاد احتجاجات للأسبوع الرابع على التوالي لتغيير النظام الحاكم. وسجلت العملة المحلية تراجعا بنحو 5 بالمئة مقارنة مع الأسعار المسجلة في ديسمبر الماضي، ليبلغ سعر صرف اليورو 220 دينارا، بينما بلغ سعر صرف الدولار 192 دينارا. ووفق بنك الجزائر المركزي يبلغ سعر صرف اليورو في السوق الرسمية 185 دينارا، في حين يبلغ سعر صرف الدولار نحو 141 دينارا. وقال تجار العملة لوسائل إعلام محلية إن طريقة انخفاض الدينار لم تشهدها السوق المحلية في السابق، وسط مخاوف من ارتفاع نسبة التضخم وحدوث ركود اقتصادي شبه كلي. وأرجع خبراء تراجع الدينار إلى الحراك الشعبي، الذي تعيشه الدولة النفطية العضو في منظمة أوبك، رغم سحب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات وإصدار سلسلة من القرارات التي لم توقف زحف المحتجين. وتعيش الجزائر أزمة اقتصادية منذ أكثر من أربع سنوات جراء تراجع أسعار النفط في السوق الدولية. ولم تفلح السياسات الحكومية التي تلت ذلك في معالجة الأزمة المستفحلة رغم مكابرة المسؤولين بأن الأوضاع تحت السيطرة. انحدار قيمة الدينار الجزائري أمام اليورو والدولار أشعل مخاوف ارتفاع معدل التضخم وحدوث ركود اقتصادي شامل ويُصنف الاقتصاد الجزائري ضمن قائمة الاقتصادات الغنية، حيث تعتمد البلاد منذ استقلالها على النفط والغاز كموردين استراتيجيين للعملة الصعبة، ولكن معظم عائداتها تذهب إلى جيوب الفاسدين. وتقر السلطات بأن الاقتصاد لا يزال يحتاج إلى المزيد من الإصلاحات العميقة حتى يتمكن من التعافي وتحقيق مستوى أعلى من النمو. وتبقى البيروقراطية من أهم الملفات المزعجة، التي لم تحقق الحكومات المتعاقبة تقدما ملموسا في محاربتها لكونها تعرقل خطط الإصلاح. ونسبت وكالة الأنباء الرسمية لرئيس الوزراء أحمد أويحيى، الذي استقال من منصبه الاثنين الماضي، قوله خلال جلسة أمام البرلمان، الشهر الماضي، لمناقشة السياسة العامة للحكومة إن “مسار التنمية في البلاد لم يتوقف رغم تراجع أسعار النفط من 110 دولارات في 2014 إلى 30 دولارا في 2016”. وأضاف “نحن بحاجة لإصلاحات وتقويم بعض الانحرافات في المجال الاقتصادي”، معتبرا أن التنوع الاقتصادي حقق خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة. وتعتبر الجزائر رابع مصدر للغاز الطبيعي وسابع منتج للنفط في العالم، ويشكل قطاع الطاقة نحو 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، لكنه لا يوظف سوى 2 بالمئة من اليد العاملة، وباتت الأعباء تتزايد منذ تراجع أسعار النفط في منتصف 2014. وتواجه العديد من القطاعات الاقتصادية الكثير من التحديات، كما أن الحديث عن كون القطاع السياحي تعافى في السنوات الأخيرة وأن هناك خططا لتطويره لا يعكس جدية السلطات في التعامل مع الأزمة الاقتصادية بالشكل المطلوب. وفي مواجهة مشكلة تآكل احتياطاتها النقدية، لا تركز الدولة بالأساس على جلب المزيد من العملة الصعبة إلى الخزينة العامة، بل على خفض الواردات حيث تفرض قيودا على حزمة من السلع من بينها السيارات. وتراهن السلطات على الإجراءات المتعلقة بفرض رسوم إضافية على قائمة من السلع المستوردة لتقليص العجز التجاري لإعطاء الشركات المحلية فرصة للنشاط بشكل أكبر حتى لا تتعرض للمشاكل في المستقبل. ووفق البيانات الرسمية، ساهم قطاع الطاقة بنحو 19.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 27 بالمئة لقطاع الخدمات و12 بالمئة لقطاع الزراعة ومثله لقطاع البناء والأشغال العامة و6 بالمئة للصناعة في العام 2017. 65 مليار دولار حجم الأموال التي وفرتها الجزائر من خلال طباعة النقود لتوفير السيولة منذ عام 2017 غير أن هذه المستويات تبقى غير كافية، وفق محللين، وهو ما يستدعي رفع معدلات تغطية المنتجات من السلع والخدمات لحاجيات السوق المحلية. ولطالما سعت الحكومات المتعاقبة لاستعراض جهودها في مكافحة الغش والفساد، من خلال إطلاق برامج بالتنسيق بين مختلف المصالح المعنية وعلى رأسها مصالح وزارة التجارة والضرائب والجمارك بالاعتماد على رقم التعريف الجبائي. ومن المتوقع أن يشمل النظام مستقبلا المتعاملين الناشطين في الاقتصاد الموازي بعد الدخول إلى حيز التنفيذ رقم التعريف الوطني الإلكتروني وهو المشروع الذي تعمل عليه حاليا وزارة الداخلية. ومن بين المعضلات التي تنتهك الاقتصاد هو الإفراط في طباعة النقود وفق التمويل غير التقليدي، فقد مول المركزي الخزينة العامة إلى حدود نهاية يناير الماضي بنحو65 مليار دولار. ويتوقع اقتصاديون أن يرتفع هذا الرقم بحوالي نصف تريليون دينار (4.2 مليار دولار) إضافية في ما تبقى من العام الجاري. وكانت الحكومة قد تبنت منذ العام 2017، حزمة من الإجراءات لسد العجز في الميزانية من بينها اللجوء إلى طباعة النقود في إطار التمويل غير التقليدي. ويشكك محللون في فرص نجاح محاولات السلطات لتحفيز النمو الاقتصادي بعيدا عن عوائد صادرات النفط، في ظل استمرار ارتباكها في حل المشاكل المزمنة.
مشاركة :