بكين 5 مايو 2020(شينخوا) بينما يلقي تفشي جائحة كوفيد-19 بثقله على التجارة الدولية والأسواق المالية العالمية، أصدر مجلس الدولة الصيني (مجلس الوزراء) مؤخرا مرسوما استراتيجيا تحت اسم "المبادئ التوجيهية حول صياغة أكمل الآليات والنظم الموجهة نحو السوق لتوزيع عوامل الانتاج" ليؤكد على عزم البلاد الراسخ لتسوية معضلة تؤرق اسواقها المحلية؛ حيث من المتوقع أن تتمكن جهود الإصلاح المتسقة المبذولة من قبل الحكومة الصينية من الاسهام في دفع طاقتها الانتاجية بقيمة تصل إلى تريليونات اليوانات سنويا. وفي هذا الصدد تجدر الاشارة إلى أن عدم التوازن بين نمو أسواق البضائع وعوامل الانتاج (أسواق العوامل) يعد المعضلة المحورية التي تعيق الاقتصاد الوطني عن تحقيق المزيد من التنمية، وتربك كذلك خطوات دفع كفاءة الصين الانتاجية، بحسب إفادات صناع السياسات الاقتصادية الصينية، الذين يعكفون على السعي وراء اقتناص الفرص الحالية واعتماد المزيد من السياسات الإصلاحية لتسوية المشكلات التي تواجه الدولة في مرحلة النمو. ولذلك أصدر مجلس الدولة في الشهر المنصرم هذا المرسوم رسميا، حيث كان قد تم تمريره في الاجتماع الـ11 للجنة المركزية لتعميق الإصلاح الشامل للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد في نوفمبر الماضي. وانطوت المبادئ التوجيهية للمرسوم على خطوط واضحة من حيث تنفيذ الإصلاحات الموجهة للسوق لتوزيع عوامل الانتاج الخمسة الرئيسية المتألفة من: الأرض وقوة العمل ورأس المال والتكنولوجيا والبيانات الرقمية. وتعد هذه خطوة رمزية جوهرية جديدة لاكمال الإصلاح الهيكلي لجانب العرض الجاري في البلاد. - فلماذا حصل عدم التوازن بين نمو أسواق البضائع وأسواق عوامل الإنتاج في ثاني أكبر الاقتصادات في العالم؟ على الرغم من أن الصين قد أفلحت في انشاء أسواق غنية بالبضائع والخدمات في ظل محدودية أسواق العوامل منذ عام 1978، حين شرعت الحكومة الصينية تنتهج سياسة الاصلاح والانفتاح، الأمر الذي أفضى إلى تحديد أسعار 97 بالمائة من أسعار البضائع والخدمات الصينية، إلا أن أسواق العوامل الصينية الحالية، لأسباب عدة وبدرجات متفاوتة، تُبتلى بالتدخل الحكومي المفرط غير اللازم، بالتوازي مع ركود أداء الأسواق والفعالية غير الكافية في توزيع العوامل فيها؛ بما يشير إلى تخلف نمو أسواق العوامل عن نمو أسواق البضائع والخدمات. ولم توزع من خلال آليات الأسواق في الصين إلا عوامل محدودة من بين الاجمالي؛ فيما تعرقل المشكلات الكامنة في بنيان وتركيبة جسم الأسواق القائمة تيسير التدفق الحر والسلس للعوامل فيها؛ وتتعثر وتتخلف أعمال وضع الضوابط لأسواق العوامل الجديدة مثل عوامل التكنولوجيا والبيانات الرقمية. ونتيجة لكل هذه التأثيرات المهلكة على أسواق العوامل الصينية، لم تلعب آلية السوق دورا حاسما في توزيع العوامل، بل باتت أسواق العوامل الصينية من أخطر أوجه القصور التي تعيق البلاد عن تحقيق أهدافها لبناء الأسواق الشاملة والعالية المستوى التي تم تحديدها في الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر الماضي. ولا تقتصر هذه الأهداف الرامية لبناء الأسواق العالية المستوى على أسواق البضائع والخدمات التي تلعب فيها آلية العرض والطلب وآلية التسعير وآلية المنافسة وغيرها من آليات السوق دورا كافيا، وإنما ترتبط مقتضياتها الأساسية بالدور الحاسم الذي تلعبه آليات السوق من حيث توزيع العوامل في الأسواق، وذلك هو الأهم. وعلى الرغم من أن تعليمات مماثلة أصدرتها الحكومة المركزية على مدى السنين المنقضية تسهم في اصلاح أسواق العوامل؛ إلا أنه لطالما كانت خطوات تنفيذ الاصلاح تتباطأ بسبب مصاعب الاعاقة الناجمة عن الأفكار الجامدة إضافة إلى التوليفة الجامدة لمجموعات المصالح الخاصة، بحسب ما قال هونغ تشي فان، نائب رئيس مجلس الادارة للمركز الصيني للتبادل الدولي. ومنذ عام 2015، اتخذ منظمو الاقتصاد في البلاد سلسلة من السياسات الاستراتيجية لتسوية المعضلة المذكورة آنفا، باعتبارها خلال هيكليا في مختلف الأسواق. وتتركز هذه السياسات في الاصلاح الهيكلي لجانب العرض التي تتمحور حول خمسة موضوعات رئيسية تتمثل في: التخلص من قدرة الإنتاج الصناعي التي عفى عليها الزمن والقدرة الانتاجية المفرطة؛ والاستغناء عن المخزون الزائد للمؤسسات الصينية؛ والتخلص من الرافعات المالية؛ وخفض التكاليف الانتاجية للمؤسسات الصينية؛ ومعالجة أوجه القصور للظروف المحلية التي تعرقل النمو الشامل في أجزاء من البلاد. وبعد جهود بذلت على مدار السنوات الاخيرة لتنفيذ السياسات، أحرزت الصين نتائج إيجابية من خلال علاج التناقضات القصيرة الأجل والقضاء على الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد للبلاد من ناحية انتاج البضائع، لكن الاختلالات الهيكلية من ناحية توزيع عوامل الانتاج مازالت مشكلة خطيرة. - فكيف يمكن للصين معالجة مشكلة الهيكل المشوه في أسواق العوامل؟ بالاعتماد على "المبادئ التوجيهية حول صياغة أكمل الآليات والنظم الموجهة نحو السوق لتوزيع عوامل الانتاج" ، أشار هوانغ إلى أن طريقا سليما لمعالجة الاختلالات الهيكلية يكمن في القيام بتركيز ما يزيد عن 80 بالمائة من نوع من العوامل القابلة للتداول على المستوى الاقليمي أو المستوى الوطني في سوق معينة، إلى جانب تركيز العملاء والوسائط والمؤسسات والعلامات التجارية كذلك فيها، نظرا لأن كفاءة اداء أسواق العوامل تقدر على تحديد مستوى كفاءة اداء اقتصاد وطني أو اقليمي، وتجسد النواة التنافسية لأي دولة. وتوقع هوانغ أن تنفيذ الاجراءات الإصلاحية في الملف سوف يجلب فوائد هائلة لتنمية القدرة الانتاجية بقيمة تصل إلى تريليونات اليوانات سنويا، لأن هذه الاجراءات ترمي إلى تعديل قواعد نظام الاقتصاد الوطني. فعلى سبيل المثال ، ذكرت المبادئ إنه يتعين استكشاف وسائل مناسبة لانشاء آلية تسويق وشراء حصص قطع أراضي البناء على المستوى الوطني إضافة إلى آلية التداول لحصص قطع الأراضي لتعويض مصادرة الحكومة للأراضي الزراعية. وانطلاقا من هذه السياسة الجديدة، يتمكن الملايين من العمال المهاجرين الصينيين الذين يحيزون حصص قطع أرض لبناء مساكن في الأرياف ويشتغلون ويعيشون في المدن، يتمكنون من بيع الحصص وشراء عقارات في المدن، حسبما قال هوانغ، مشيرا إلى أن تلك آلية تمثل سوقا احتياطية ضخمة للغاية. وأكد هوانغ أن تفشى وباء (كوفيد-19) قد ألحق خسائر وأضرارا فادحة بنمو الاقتصاد الوطني والميزانيات الصينية، ومن ثم باتت الاجراءات الإصلاحية من هذا النوع بدون تكاليف مالية قيمة وبالأخص وسط جائحة فيروس كورونا الجديد، لأنها ستكون مواتية للظروف الواقعية لخلق البيئة المناسبة لاستئناف العمل وتحفيز حيوية المؤسسات وإعادة تشغيل الاقتصاد المدور.
مشاركة :