التعاون العسكري بين السعودية وفرنسا الذي بدأت تظهر ملامحه بشكل أكثر وضوحًا يوم أمس، هو جزء من إعادة الرياض لخارطة تحالفاتها، وتنويع سلة مشترياتها العسكرية، والتي تشكل المنتوجات الأميركية من صواريخ دفاعية وطائرات قتالية غالبيتها. باريس، أكدت رغبتها في غير مرة تعزيز العلاقات التجارية بينها وبين المملكة، وقبل عامين، حين زار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند السعودية والتقى بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - كانت التفاهمات بين البلدين في أعلى مستوياتها، بل إن البلدين اتفقا - حسب مصادر فرنسية مقربة من الرئاسة في باريس تحدثت بعد الزيارة - على أهمية الحفاظ على استقرار لبنان، وهو ما توج بعد ذلك بما عرف بـ«الهبة السعودية»، بل تجاوز ذلك لوضع باريس لتنظيم حزب الله اللبناني على قائمة الإرهاب. هذا التقارب السعودي الفرنسي، زاد أكثر حين زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز باريس العام الماضي حين كان وليا للعهد، ونتج عن الزيارة تفاهمات واتفاقيات في مجالات عدة. وفرنسا، أعلنت صراحة لدى حضورها كضيف شرف في القمة الخليجية الماضية، أنها ستدافع عن أمن الخليج بكل السبل، ويوم أمس، وفي الزيارة الرسمية التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع شهدت اللجنة التنسيقية الدائمة بين البلدين أول اجتماعاتها، وهذه اللجنة أنشئت مايو (أيار) الماضي بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين أثناء زيارة الرئيس الفرنسي للسعودية، ويشرف عليها ولي ولي العهد السعودي. وعن أهمية الزيارة والاتفاقيات الموقعة يقول القائم بالأعمال السعودي في باريس الدكتور علي بن محمد القرني أن هناك توافقا تاما وتطابقا غير مسبوق في الرؤى تجاه ملفات المنطقة وتحديدا النووي الإيراني والأزمة في سوريا والحرب على الإرهاب ومكافحة تنظيم داعش المتطرف. ويرى القرني في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن العلاقات الفرنسية - السعودية الآن باتت في مرحلة تنفيذ الاستراتيجيات المتفق عليها ويضيف: «الزيارة تأتي أولا بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ودعوة الحكومة الفرنسية لولي ولي العهد لزيارة فرنسا في هذه المرحلة التاريخية والحرجة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، والسعودية وفرنسا دولتان ذات تأثير وفرنسا لاعب دولي هام وعوض دائم في مجلس الأمن وهناك تطابق في الرؤى تجاه ملفات المنطقة في النووي الإيراني والقضية السورية ومحاربة الإرهاب في المنطقة ومنها الحرب على داعش وهناك تنسيق عالي المستوى وفي كافة المجالات». وعن العلاقات الثنائية التي توجت بإنشاء اللجنة التنسيقية التي شهدت العاصمة باريس أول اجتماعاتها أمس يقول القرني: «هناك تعاون في كافة المجالات وهناك تنسيق مستمر وزيارة ولي ولي العهد لفرنسا لها أهمية في أكثر من جانب ومنها إشرافه المباشر على اللجنة التنسيقية الدائمة، وهذه اللجنة مهمتها النظر في كافة العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون في مجالات الطاقة أو النقل أو الطيران أو الصحة أو البيئة أو الدفاع وكل هذه المجالات مهمة للبلدين وتشهد تطور في الملفات المختلفة». وعن وجهات النظر تجاه قضايا المنطقة قال القرني: «هناك تطابق في الرؤى بين السعودية وفرنسا فيما يخص قضايا المنطقة وهناك عمل مشترك لإخراج سوريا من أزمتها، وحتى عن النووي الإيراني وتصريح وزير الخارجية الفرنسي واضح حين قال يجب التأكد أن هناك اتفاقية جيدة». ويرى القائم بالأعمال السعودي الدكتور القرني أن الاتفاقيات ستنعكس إيجابا على الاقتصاد في البلدين إلى جانب التدريب والبحث العلمي ويقول: «التدريب والابتعاث جزء لا يتجزأ من العملية التنموية للسعودية وفي فرنسا 1200 مبتعث سعودي وهناك عشرات الطلاب السعوديين يتدربون في شركات فرنسية وفي الاتفاقيات التي تمت اليوم هناك ما يتعلق بالبحث العلمي والتقنية وسيكون ضمنها التدريب والبحث». ويرى القرني في حديثه الهاتفي أن هذه الزيارة - التي وصفها بالمهمة - التي يقوم بها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ستدفع بالعلاقات قدمًا والسعودية تهتم كثيرًا ببناء علاقات استراتيجية مع كبريات دول العالم وفرنسا لها ثقل وباريس تعمل بشكل جاد لدفع بالعلاقات بين البلدين لأعلى المستويات ويختتم حديثه بقوله: «وحين أقول أعلى المستويات وكافتها فهذا ما يحدث بالفعل».
مشاركة :