لم يعد استدعاء الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى المحكمة كسابقة في تاريخ إيران، يشكل في حد ذاته الخبر في الأروقة الإيرانية، ولكن البحث عن موعد مثوله أمام المحكمة، وأسباب ذلك الاستدعاء، وما إذا كان سيذهب بالفعل من عدمه، تشكل كلها بعضا من الأسئلة الحائرة في الشارع الإيراني. وفي الآونة الأخيرة، أصبح عنوان على غرار «أحمدي نجاد تم استدعاؤه إلى المحكمة، ولكنه لم يذهب»، هو عنوان الأخبار التي اعتادت الصحف الإيرانية نشرها خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك بسبب قضايا الفساد والرشوة والانتهاكات التي حدثت خلال فترة رئاسة أحمدي نجاد لإيران، ورغم أن تلك الأنباء صارت من تكرارها «أمر اعتيادي»، إلا أنها فتحت بابا لم يكن من الممكن أن يفتح في عهد ما قبل نجاد، آلا وهو محاسبة المسؤولين. وصار خبر استدعاء المحاكم الإيرانية للسياسيين والمسؤولين في الحكومة التاسعة والعاشرة هو أمر عادى في إيران، حيث إن النائب الأول للرئيس نجاد يقبع الآن في السجن بتهمة الفساد المالي واستغلال السلطة والنفوذ، بينما النائب التنفيذي الأول لنجاد قيد الاعتقال الآن، وقد تستدعى المحاكم الإيرانية المزيد من رجال نجاد في الحكومتين التاسعة والعاشرة. الآن، وعندما يذكر رئيس لجنة القضاة في إيران إن أحمدي نجاد قد تم استدعاؤه للمحكمة فلا أحد صار يتعجب رغم كونها سابقة أولى من نوعها في إيران، حيث لم يكن من المعتاد محاكمة السياسيين ورجال الدولة والوزراء ونواب رئيس الجمهورية في إيران بعد انتهاء فترة الحكم الخاصة بهم. ولكن الأمر مختلف بالنسبة للحكومة العاشرة، وهي حكومة الفترة الرئاسية الثانية لأحمدي نجاد. وحتى الآن لم ينس الإيرانيون استدعاء اللجنة رقم 76 من محكمة جنايات محافظة طهران لأحمدي نجاد في نهايات شهر مايو (أيار) 2013، والتي وجهت إخطارا لنجاد للمثول أمامها للتحقيق في مجموعة من الاتهامات والبلاغات المقدمة ضده عندما كان رئيسًا لإيران في ذلك الوقت. وعُقِدت الجلسة الأولى لمحاكمة نجاد في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، لكنه امتنع عن الحضور لأسباب غير معلومة.. في الوقت الذي أعلن فيه قاضي التحقيقات أن التحقيق في بدايته، وأن حضور المتهم إلى ساحة القضاء إلزاميًا. بعد ذلك ذكر المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية في إيران في أحد المؤتمرات الصحافية عندما سأله أحد المراسلين حول ما هي عقوبة تخلف أحمدي نجاد عن الحضور إلى ساحة المحكمة، وهل من الممكن أن يتم اعتقاله؟ أجاب أنه عندما تم تحديد موعد لفتح التحقيقات فلم يحضر أحمدي نجاد إلى المحكمة وامتنع محاميه أيضا عن الحضور، وأن نجاد في موقف حرج جدًا ولا بد له من الوجود وإقناع القاضي بأنه له عذر منعه من المثول أمام القضاء. وبناءً على ذلك تم عقد جلسة أخرى في شهر يناير (كانون الثاني)، ولم تعقد المحكمة حتى يصل ويحضر أحمدي نجاد. وذكر المدعي العام للجنة 76 بمحكمة جنايات طهران أنه «لم تُحدد بعد أية مواعيد خاصة بمحاكمة نجاد، ويجب معرفة أن مجمع المحاكم العليا في إيران هو الهيئة الوحيدة التي لها حق البت في جرائم رئيس الجمهورية أو الوزراء، بالإضافة إلى مجلس الشورى الإسلامي في إيران، وذلك طبقًا للمادة رقم 140 من الدستور الإيراني. وذلك أمر متعارف عليه». وتدعي بعض وكالات الأخبار والصحف الإيرانية أن الشكوى المقدمة ضد نجاد جاءت نتيجة لبعض المواقف التي حدثت خلال جلسة استجواب وزير العمل الإيراني، وهذا الأمر غير صحيح، حيث تعود هذه الشكوى إلى ثلاثة أمور خاصة بمجلس الشورى الإسلامي الثامن في عهد نجاد، وتتعلق بأنه رفض تنفيذ بعض القوانين. بعد ذلك ذكرت شبكة المعلومات الحكومية الإيرانية أن مثول أحمدي نجاد الرئيس السابق لإيران أمر غير جائز قانونيًا بحسب المادة 140 من الدستور الإيراني، وطبقًا للبند 10 من المادة 110 من الدستور الإيراني فإنه في حالة تخلف رئيس الجمهورية عن المثول أمام المحكمة فإن أمر استدعائه يقع على عاتق المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إيران. كما يضاف إلى تشابك القصة أن محضر الإخطار الذي وصل إلى نجاد ليس به أية تهم واضحة، في حين أن الدستور الإيراني يكفل لكل مواطن الحق في الاطلاع على التهم الموجهة إليه. وأيضا ليس من مهام محكمة الجنايات البت في الأمور أو الشكاوى الحقوقية، وبناءً على هذا فإن وضع أحمدي نجاد غامض وغير معلوم وموعد مثوله أمام القضاء الإيراني غير معلوم حتى الآن. وذكر رئيس مجلس لجنة التسعين في مجلس الشورى الإيراني أن نجاد قد تم استدعاؤه للمثول أمام القضاء الإيراني أكثر من مرة، ولكنه رفض ذلك ولم يحضر إلى أية جلسة من الجلسات. وأجاب محمد على بورمختار على أحد الأسئلة التي وُجهت إليه بخصوص مصير الشكوى المقدمة من المجلس واللجنة ضد أحمدي نجاد قائلاً: «تم توجيه إخطارات متعددة إلى نجاد للمثول أمام المحكمة، ولكنه رفض ذلك، ودون إبداء أية أعذار قانونية أو غير قانونية.. وإذا تم تحديد موعد آخر للجلسة وإذا لم يأتِ نجاد فإن السلطات القضائية الإيرانية ستعامله وفقًا للقوانين الخاصة بها».
مشاركة :