في شهر رمضان الكريم يتسابق الناس لقراءة القرآن أكثر من أي وقت في السنة، وهو الامر المحمود، لكن الأقاويل والحكايات التي نسمعها عمن يختم القرآن في سجدة واحدة أو يختم القرآن في ليلة أو يختمه في يومين، هذه الحكايات وإن كان أصحابها بين ظهرينا يمكن لنا أن نتناصح بأن قراءة القرآن ليست رضا واعلانا لمن ختم المصحف في سجدة أو في شهر كامل بل مقياس القراءة بالتدبر: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها». لم يصف أحد القرآن كما وصفه الوليد بن المغيرة، إذ أن كفره لم يمنعه من قول الحقيقة عندما استمع للآيات المحكمات وتدبرها وتفهم أبعادها والعمق المهول لمعانيها، فقال جملته الشهيرة (لقوله ــ يقصد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ــ الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته). هذه الكلمات كان من المفترض أن يعيها كل من قرأها، وأن يتنبه لتلك الاوصاف التي قالها الوليد ــ كموقف من شخص معاند وكافر برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ــ إذ أن في قوله استيعابا لموقف الاعراب الاقحاح من الصياغة والاسلوب للقرآن وما تحمله شهادة الوليد من توصيف للآيات: (حلاوة، طلاوة، اثمار، مغدق، لا يعلى عليه، يحطم لما هو دونه). وهذه الدلالات لن يصل إليها القارئ العجل أو القارئ العابر ببصره أو الحافظ من غير تدبر، وكلنا يقول إنه قرأ القرآن وجميعنا ــ بنسب متفاوتة ــ لا نبتعد عن العجلة بالرغم من الوصايا التي تؤكد أن القارئ للقرآن عليه أن لا يجتاز آية حتى يعلم بأسرارها ــ أو جزء من أسرارها. وكان الصحابة يتواصون بالتدبر أثناء قراءة القرآن، وهناك قصة تروى أن عمر بن الخطاب تعلم البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزورا. فهل الاثنتا عشرة السنة كانت للحفظ ــ كما نفعل اليوم ــ أم كانت للتدبر، وكثيرة هي القصص التي تروى عن الصحابة وتدبرهم لآيات القرآن. فهل اتبعناهم؟ وهل علمنا بسر من أسرار القرآن؟ اكاد القول جازما إن كل القراءات العجلة لم توقفنا على أسرار الله والتي أراد منا تدبرها من خلال آياته؟ لذلك لا تقل لي: كم مرة ختمت القرآن.
مشاركة :