نساء يختبرن فكرة التخلي عن استعمال مستحضرات التجميل أثناء فترة الحجر المنزلي في محاولة لتخطي حدود المظهر الخارجي في تقييم أنفسهن. تشعر النساء بالحاجة إلى مستحضرات التجميل أكثر من الرجال لإبراز أنوثتهن والتماهي مع عالم الجمال المحيط بهن، حتى أصبح من المستحيل على معظمهن الخروج دون وضع المكياج، غير أن الحجر المنزلي الذي فرضه تفشي وباء كورونا، استطاع أن يكسر هذه العادة، ويدفع الكثيرات إلى ملازمة منازلهن والتوقف عن وضع مساحيق التجميل لفترات طويلة. ويمكن قياس مدى أهمية مستحضرات التجميل بالنسبة للمرأة عموما، من حقيقة أن عائدات هذه الصناعة تقدر بمليارات الدولارات، ومن غير المستبعد أن تواصل انتعاشتها في السنوات المقبلة، خصوصا أمام التأثير المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي، والدور الكبير الذي أصبح يلعبه المظهر الحسن في الحياة اليومية، وانعكاسه على تفكير الناس وثقتهم بأنفسهم. وكشفت الإحصائيات أن معدلات استهلاك أدوات ومساحيق التجميل في البلدان العربية هي الأعلى على مستوى العالم. وتوقعت شركة “يورو مونيتور إنترناشيونال” للأبحاث أن يستمر سوق مستحضرات التجميل في أفريقيا والشرق الأوسط بالنمو ليصل إلى 34.7 مليار دولار خلال عام 2020. فيما كشفت دراسة بريطانية أن المرأة تقضي في المتوسط 474 يوما في وضع مستحضرات التجميل خلال حياتها، عبر إضافة ما يصل إلى مئتي مادة كيميائية على وجوههن وإنفاق 9.525 جنيها استرلينيا في المتوسط لا لشيء إلا لمجاراة الموضة. وأكدت الدراسة أن “15 في المئة من النساء اللاتي استُطلعت آراؤهن بشأن ما يضعنه من مستحضرات تجميل، كشفن أنهن يضعن مساحيق التجميل حتى قبل أن يستيقظ أزواجهن”. ورغم ما هو معروف عن أضرار مستحضرات التجميل ومشاكلها الصحية، لا تستطيع نسبة كبيرة من النساء الاستغناء عنها، ما يدفع شركات التجميل إلى تحويل لهفة الكثيرات على الحصول على “الشكل المثالي” الذي تسوقه لهن وسائل التواصل الاجتماعي إلى مكاسب مالية، فتغدق عليهن بوصفات للاعتناء بمظهر الوجه ونضارته التي أصبحت أولوية خصوصا لدى بعض المراهقات، مما يفسر الإقبال الكبير على استعمال مواد التجميل المختلفة. تغير المعايير الاجتماعية الحجر المنزلي دفع الكثيرات إلى ملازمة منازلهن والتوقف عن وضع مساحيق التجميل لفترات طويلة لكن فجأة وجد الملايين من الناس في أنحاء العالم أنفسهم حبيسي الجدران، وقد تغيرت أنماط حياتهم التي اعتادوا عليها، وفي ظل الوضع الجديد، حدث تحول كبير في المعايير الاجتماعية والثقافية، وأصبح من المقبول أكثر لدى نسبة هامة من النساء عدم وضع مستحضرات التجميل على وجوههن بشكل يومي، وأصبحن أكثر جرأة في الظهور من دون مساحيق تجميل على عكس المعتاد. وفي الآونة الأخيرة نشرت الفنانة المصرية فيفي عبده فيديو لها على صفحتها في موقع “إنستغرام”، وهي ترتدي الحجاب ولا تضع مكياج على وجهها. وتحدثت عبده في الفيديو عما يسببه وضع مستحضرات التجميل بشكل دائم من إجهاد للوجه ومشكلات جلدية. وقالت عبده إنها فكرت في الظهور من دون مكياج حتى تريح وجهها قليلا، وتأخذ رأي جمهورها في إطلالتها من دون مساحيق تجميل. وشاركت أيضا الكثير من النجمات في العالم العربي صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة الاستيقاظ أو قبل النوم من دون مكياج تحفيزا لبنات جنسهن على ضرورة البقاء في المنزل ومنح البشرة فرصة للراحة. وجرى على نطاق واسع تداول صور ومقاطع فيديو التقطتها النساء اللواتي اخترن الظهور من دون مكياج، وتصاعدت الحركة بين النساء العاديات. ولم يعد هذا الأمر مجرد حالات منفردة لنساء ينشدن حرية الاختيار للهيئة التي يردنا الظهور بها. وراجت الكثير من الشعارات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها تحدّي “الظهور من دون مكياج” ليعبر عن التمرد على معايير الجمال غير الواقعية، التي تقضي النساء بموجبها ساعات في وضع مساحيق التجميل واتباع أنظمة العناية بالبشرة. واعترفت مدونة على فيسبوك فضلت تسمية نفسها مريم أنها كانت قبل الحجر المنزلي تمضي وقتاً مطولا في وضع المكياج وتهتم بنفسها وشكلها ومكياجها من أجل تظهر جمالها قبل أن الخروج من المنزل أو الذهاب إلى العمل، لكنها أكدت أنها بدأت تدريجيا تتخلى عن هذا التقليد بسبب الظرف الحالي. وقالت مريم لـ”العرب”، “زوجي يقول لي دوما إنني جميلة ورائعة ومثيرة حتى من دون مكياج، وأنا دائما ما أتجاهله وأسخر منه، بعبارات مثل ‘أعلم أنه يفترض أن تقول ذلك"”. وأضافت “لكنه في الحقيقة يقصد هذا المعنى، كما أنه يصعب علي رؤية ذلك في نفسي، فوضع المكياج بالنسبة لي وربما للكثيرات غيري أكثر من مجرد قناع لإخفاء العيوب، إنه يعبر عن متعة وعن رغبة حقيقية في مسايرة العالم الجميل المحيط بنا، للمكياج أثر يتركه على هيئاتنا وملامحهنا وعلى نفسيات الآخرين المحيطين بنا، ولذلك فإن إمكانية التخلص من المكياج يمكن أن تشكل أمرا شاقا للعديد من النساء”. وتأمل مريم في أن تغير تجربة الحجر المنزلي الطريقة التي تنظر بها النساء إلى أنفسهن. وتابعت “بدلا من التفكير في أنني هذه المرأة التي تعاني من آثار وبقع حب الشباب على وجهي على الرغم من أنني في الأربعينات من عمري، أو في تلك الأشياء السلبية التي أنظر بها إلى نفسي، لماذا بدلا من ذلك لا أشعر فقط أنني ذكية، ولدي مهارات ممتازة، وأم مثالية، وزوجة عظيمة، فأنا في مختلف هذه الجوانب الحياتية جميلة أيضا، علي أن أشعر بأنني جميلة ومثيرة وواثقة من نفسي حتى من دون أن أضع قناعا اصطناعيا أصنعه من مستحضرات التجميل لأخفي ملامحي الحقيقية”. وواصلت “معظم النساء حيويات ونشيطات ومثقفات وملهمات، ولديهن قصص مختلفة، لكننا جميعا نمتلك معتقدات خائطة عن كوننا نساء، ويجب علينا أن نخفي عيوبنا التى نصاب بالرعب من إظهارها حتى أمام المرآة”. وأضافت “جمال المرأة يختلف معناه لدى كل شخص. والحجر المنزلي يمثل فرصة لشحذ عزيمة كل النساء واتخاذ قرار التخلي عن المكياج هو بداية التغيير في كيفية رؤيتنا لأجسادنا وجمالنا، بدلا من السقوط في شرك المجتمع وما تعلمناه بشأن ما هو جميل ومثير”. وأكدت مريم على ضرورة التركيز على النظرة الإيجابية للجسم، والأخذ في الاعتبار أن الصورة التي تطرحها مواقع التواصل العالم والمشاهير ليست حقيقة، إذ تخضع للكثير من التعديل وعوامل الإضاءة وغيرها لتقدم صورة مثالية عن الجمال، لكنها من وجهة نظرها “مزيفة”. واستعدادا لالتقاط مجموعة من الصور، تعمدت مريم قص أظافر يديها وقدميها ونزعت الطلاء عنها، ولم تنزع شعر بشرتها، كما تركت شعر رأسها من دون تسريح، وتعمدت عدم وضع أية مساحيق تجميل. وبعد أن أخذت مجموعة من الصور التذكارية على طبيعتها الحالية التي ترى أنها لن تشكل لها أي صراع داخلي، كما تقول، لأن الشخص الوحيد الذي سيرى الصور هو زوجها. وقالت “لقد حدقت طويلا في تلك الصور وتساءلت من هذه المرأة؟ في الحقيقة لم أعرف نفسي ولكنني تيقنت اليوم أنني أجمل حتى من دون مساحيق”. وأضافت “عادة ما نتحدث عن تمكين المرأة وقدرتها على القيام بكل ما يقوم به الرجل، أما هذا الجانب الآخر من تمكين المرأة فيُغفل في معظم الأحيان. دعونا نكون كما نشاء، ونشعر بالرضا عن أنفسنا ونتحرر من قوالب الجمال الجاهزة، للاسف أنا متيقنة أن الناس من حولي لن يتفقوا معي”. أهم شيء في المرأة من جانبها اعتبرت نادية معتوق أنه من الصعب تغيير المعايير التقليدية للجمال والأنوثة في المجتمعات، ويرجع ذلك لعدة أسباب أولها الثقافة السائدة التي يسطر عليها المعتقد بأن أهم شيء في المرأة هو مظهرها الخارجي وليس جوهرها. وقالت معتوق لـ”العرب” “النساء بصفة عامة يخشين التمرد على معايير الأنوثة السائدة خشية رفض المجتمع لهن، وفي نفس الوقت فإن مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تساهم هي الأخرى في ترسيخ معايير الجمال والأنوثة التقليدية”. وأضافت “إن التغلب على هذه المشكلة يتطلب إحداث تغييرات ثقافية للحد من الضغوط التي تدفع النساء إلى محاولة تغيير أشكالهن لتتناسب مع ما هو مطلوب في المجتمع”. وأعربت معتوق عن اعتقادها بأن كل فرد في المجتمع يمكن أن يلعب دورا إيجابيا في تحقيق هذا الهدف، فعلى سبيل المثال يجب على الآباء والأمهات ألا يصدروا انتقادات أو تعليقات على أبنائهم الذكور والإناث تبنى على أساس مظهرهم بدلا من أدائهم. وبينما تعتقد معتوق أنه من الجيد أن يناقش المزيد من النساء قضية وضع المكياج من عدمه علنا، ترى أيضا أن معظم النساء ما زلن “يشعرن بالخجل أو الخوف، من الظهور دون مواد تجميل”. وختمت معتوق بقولها “أتفهم أن وضع مستحضرات التجميل أو التخلي عنها هو في النهاية اختيار شخصي، ولكن معظم النساء لا يتمتعن بالثقة الكافية في أنفسهن ليظهرن من دون مساحيق ذلك في العلن. وأحد الأسباب الرئيسية التي يشرن إليها هو الخوف من عنصرية المجتمع”. وليست فكرة تخلي النساء عن وضع مساحيق التجميل بالجديدة، ففي أوروبا وأمريكا شجعت ناشطات كثر المرأة على تقبل جسدها كما هو دون الحاجة للرضوخ للمعايير التي يفرضها المجتمع، ومنها حملة الممثلة البريطانية جميلة علياء بورتون جميل، التي أطلقتها على موقعي تويتر وإنستغرام للتواصل الاجتماعي بعنوان “وزني”، والتي دعت من خلالها النساء إلى أن يتخطين في تقييمهن أنفسهن حدود الوزن والمظهر. وشهد العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية حملات مماثلة لكسر الصور النمطية عن معايير الجمال، والتنديد بالتركيز المتزايد على القيود المفروضة على أجساد النساء. لكن ذلك ترافق أيضا مع تحذيرات خبراء من خطورة الإفراط في استهلاك مستحضرات التجميل، بعد أن تبين لهم من خلال بعض الأبحاث الجديدة أن النساء يستعملن المئات من المواد الكيميائية الموجودة في تلك المستحضرات والتي في غالبها مضرة بالصحة وبالبيئة. ونشرت مجلة “ومنز هيلث” الأميركية تقريرا كشفت فيه عن فوائد التوقف عن وضع مساحيق التجميل لمدة شهر بالنسبة للبشرة. وأكدت المجلة أن تقليل بعض النساء من استخدام مستحضرات التجميل أثناء فترات الحجر والتباعد الاجتماعي، سوف يعيد للبشرة نضارتها وتعتاد على الوضع الطبيعي الجديد الذي يتمثّل في خلوّها من أي أثر لمساحيق التجميل، إلا أن ذلك قد يؤثر مؤقتًا على إفراز الزهم مما قد يؤدي إلى انسداد المسام وانكسارها، لكن في حال حدوث ذلك، ينبغي المواظبة على استخدام روتين لطيف للعناية بالبشرة، مثل تنظيف البشرة برفق ووضع مرطب.
مشاركة :