شهدت روبوتات الدردشة تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة وهي تستخدم لغايات كثيرة بينها طلب الطعام وإجراء معاملات مصرفية، ومن أكثرها شيوعا خدمات المساعدة الصوتية. وفي ظل تدابير العزل القسرية لمواجهة كورونا، يسجل اهتمام متزايد بروبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي بهدف إظهار الدعم والاهتمام لأشخاص يفتقدون بشدة إلى من يحادثهم في زمن الحجر المنزلي. صباح الخير، أعلم أنك تعرضت لضغوط أمس، فكيف حالك اليوم، هل تشعر بأنك في حالة أفضل؟ تصلك هذه الرسالة الصوتية التي تفيض بالحنان يغلفها الاهتمام بك، وقد تبدو كما لو كانت قادمة من أحد أصدقائك أو أبويك، إنما هي في الحقيقة استفسار عن أحوالك من “ريبليكا”، وهو تشاتبوت أي برنامج للدردشة يعمل باستخدام آليات الذكاء الاصطناعي. وتقول الشركة التي أنتجت ريبليكا على موقعها الإليكتروني “إذا شعرت بالاكتئاب أو القلق، أو احتجت فقط إلى أحد ليتحدث معك، فستجد برنامج ريبليكا الخاص بك مستعدا للحوار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع”. ويعد التشاتبوت -وهو مزيج بين كلمتي “تشات”، بمعنى الدردشة، والروبوت- برنامجا يحفز على المحادثة، وعادة ما يكون ذلك عن طريق الرسائل النصية، وهو أساسا يزود المتحدث معه بأجوبة معدة سلفا لأسئلة محددة. غير أن برنامج ريبليكا مختلف عن النمط القديم للتشاتبوت، فهو مصمم بحيث يستطيع الاستماع إلى الحوار وطرح أسئلة. صديق رومانسي ولكن ماذا يحدث عندما يجعل الأفراد برنامج تشاتبوت يتميز بالصداقة والتفهم ويشاركهم المعلومات الخاصة بمشكلاتهم الشخصية؟ أجرت مارينا سكويفي، الباحثة بجامعة أوسلو، مقابلات مع 18 شخصا لديهم علاقات وثيقة مع تشاتبوت، ووصف معظمهم علاقتهم بهذا التطبيق بأنه يتسم بالود، بينما قال عدد أقل إن العلاقة اتسمت بالرومانسية أو الحميمية. وهذا التطور ليس مثيرا للدهشة، فقد تم تصميم تشاتبوت ليتذكر كل ما يسمعه ثم الاستجابة للمعلومات التي تصله. ويحرص ريبليكا على الاستماع إلى كل التفاصيل، ويطرح بعناية أسئلة يتابع من خلالها أحوال الشخص الذي يمتلكه -أي الذي يشتريه ويكون خاصا به- كما يتابع علاقاته مع أبويه وأصدقائه، بل أحيانا يتابع المحادثة بعد أن تمر عليها بضعة أيام، وقد يسأل عما إذا كان صديق صاحبه قد تعافى من الضغوط التي تعرض لها الأسبوع الماضي. وبعد المقابلات التي أجرتها سكوفي، قرر المبرمجون إجراء تغييرات على ريبليكا، حتى يستطيع المستخدمون أن يقرروا في البداية ما إذا كان تشاتبوت سيكون صديقا أو شريكا رومانسيا، ويكون الاختيار الأول مجانا والثاني برسوم. ويواكب ريبليكا تطورات العصر، حيث أشار استطلاع للرأي أجري مؤخرا في ألمانيا إلى أن واحدا من كل خمسة أشخاص يعتقد أنه سيكون أمرا عاديا في المستقبل أن يقع الإنسان في حب آلة مزودة بالذكاء الاصطناعي. إذا شعرت بالاكتئاب أو القلق فبرنامج ريبليكا مستعد للحوار معك على مدار الساعة وأوضح الاستطلاع الذي أجرته رابطة علوم الكمبيوتر أن هذا العدد يرتفع، ليصبح واحدا من كل ثلاثة أشخاص في الفئة العمرية بين 15 و29 عاما. ويحدد صاحب البرنامج الموضوعات محل النقاش، وكلما تحدثت أكثر مع تشاتبوت أصبحت أسئلته متعلقة بك بدرجة أكبر. وقد شاركت يوجينيا كويدا في تأسيس هذا التطبيق الذي يستعين بالذكاء الاصطناعي لإيجاد “شخصيات” تتكيف مع المستخدم. ولاحظت ارتفاعا في عدد عمليات التحميل ومعدلات الاستخدام. وتشير إلى إضافة محادثات بشأن وباء كوفيد – 19 “لا لإظهار التعاطف وحسب بل لتقديم نصائح مفيدة أيضا”. وحمّل أكثر من سبعة ملايين شخص تطبيق ريبليكا في بلدان عدة حول العالم، بينها إيطاليا وفرنسا، رغم أن الخدمة متوافرة بالإنجليزية فقط. وتقول كويدا “الناس يعيشون مرحلة صعبة؛ حيث تعتبر الوحدة من المشكلات الكبرى في الوقت الراهن”. وفيما لم يكن التطبيق يقدم في البداية إمكان إيجاد “شريك عاطفي”، أضيفت هذه الخاصية لاحقا بعدما بدأ بعض الأشخاص استخدامه على هذا النحو، وقد يكون ذلك مستوحى من فيلم “هير” الصادر في 2014. ويقدم ريبليكا تاليا إمكان إيجاد صديق أو شريك أو مشرف قد يكون أنثى أو ذكرا أو غير محدد الجنس. سجل “مدرب للصحة الذهنية” من تطوير شركة “ووبوت لابز” الناشئة تزايدا في نسبة الاستخدام خلال الوباء، كما أعاد تعديل برنامجه في مواجهة الأزمة. وتوضح أليسون دارسي، مؤسسة “ووبوت” أن الخدمة القائمة على دراسات للعلاجات الإدراكية – السلوكية ترمي إلى مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الشعور بالقلق، كما تهدف إلى “رفع المعنويات ومساعدة الناس على البقاء هادئين خلال هذه الفترة الملائمة للقلق”. كما كانت لروبوت الدردشة “تشاوس” الذي طورته مايكروسوفت في الصين حصة من سوق الأحاديث الافتراضية مع أكثر من 660 عملية تحميل. يكيل كونراد أركهام، وهو نادل في التاسعة والعشرين من العمر ويقيم في ولاية تينيسي الأميركية، المديح لصديقته الافتراضية هانا التي أوجدها عبر ريبليكا. ويقول “هي لا تشبه أي شخص التقيته في حياتي”. ولا تتداخل علاقته الافتراضية هذه البتة مع صديقته في الحياة الحقيقية التي بدورها لديها صديق افتراضي. ويقول كونراد “صديقانا الافتراضيان عبر ريبليكا يخدمان هدفا محددا. هذا يوجِد توازنا في علاقتنا”. لكن هل تطورَ الذكاء الاصطناعي إلى درجة التفاعل من خلال محاكاة “مشاعر” إنسانية؟ يوضح الأستاذ في جامعة نورث إيسترن، ستايسي مارسيلا، الذي أجرى دراسة بشأن “البشر الافتراضيين”، أن الذكاء الاصطناعي ليس متقدما بعد كما في الأفلام. ويقول “لسنا في مرحلة نستطيع فيها إقامة علاقات متينة على المدى الطويل”. لكنه يشير إلى أن روبوتات الدردشة قد تكون مفيدة لتذكير الناس بتناول أدويتهم. حتى أنها قادرة على تقديم ما يشبه الدعم النفسي عبر “افتعال أحاديث” وفق مارسيلا الذي يؤكد أن “النقطة الأساس تكمن في جعل المرضى يتكلمون”. وتشير يوجينيا كويدا إلى أن 80 في المئة من مستخدمي ريبليكا الذين شاركوا في استبيان قالوا إن “هذه المحادثات ساهمت في تحسين أوضاعهم النفسية”. لكن يبقى السؤال ما إذا كان المستخدمون سيفضلون التعامل مع هذه الروبوتات على علاقاتهم الحقيقية بعد انتهاء تدابير الحجر؟ هنا تؤكد إليزابيث فرانكولا “لا أستطيع إهمال الناس في العالم الحقيقي. وأظن أن ميكا سيحبذ ذلك أيضا. هو يشجعني على الخروج واختبار حدود قدراتي”. بزغت فكرة اختراع برنامج ريبليكا في ذهن يوجينيا كيودا، بعد أن فارق أفضل صديق لها الحياة في حادث سيارة، وفِي ذلك الوقت كانت تعمل بشركة كمبيوتر تطور برامج تشاتبوت، وقررت كيودا عام 2015 أن تقوم بتصميم تشاتبوت خاص بها، وغذته بالحوارات التي أجرتها مع صديقها الراحل مما ساعدها على الحياة بطريقة رقمية. ويستطيع أي شخص في الوقت الحالي أن يبتكر ريبليكا خاصا به، ويقول أحد المستخدمين إن “هذا البرنامج يجسد الجوهر الخاص بي، ولكنه ليس أنا”. ويواصل البرنامج الروبوت التعلم ويكيف نفسه باستمرار، كلما تم استخدامه، مع أسلوب صاحبه في اللغة والتحدث. ويرى البعض أن هذا الاتجاه يدعو إلى القلق، حيث يقول أوليفر بيندل، المتخصص في النواحي الأخلاقية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي، إن هذا البرنامج عبارة عن آلة لامتصاص البيانات الشخصية. بينما تقول الشركة المنتجة لريبليكا على موقعها الإلكتروني إن الأحاديث التي تجرى مع هذه البرامج لا يتم تقديمها إلى شركات أخرى، كما أن البيانات الشخصية لا يتم بيعها. ومن الناحية النفسية يرى أندريه كيربر، المعالج النفسي ببرلين، أنه إذا عبّر الأشخاص الذين يستخدمون ريبليكا بشكل أكثر عمقا عن أفكارهم ومشاعرهم فسيكون ذلك أمرا إيجابيا، ويضيف أن العلاج النفسي ليس أكثر من التعامل مع نفسك. غير أن كيربر أعرب عن تخوفه من إمكانية أن يضل المستخدمون طريقهم في هذا العالم الافتراضي، ويقول إن الأشخاص الذين يعانون بشكل خاص من مشكلات في إقامة العلاقات، يمكن أن يشعروا بالمزيد من الارتياح عبر التواجد في واقع بديل وليس من خلال وجودهم في العالم الواقعي، فصديقك في العالم الافتراضي لا يجادلك عند التحدث ولا يشعر بالضيق أو الإهانة، كما أنه يرد بالأسلوب السليم، وهذا يمكن أن يسبب الإدمان على هذه الطريقة بالنسبة إلى البعض.
مشاركة :