ظل يحوم حول دارها لعله يجدد الذكريات، لايزال يضع يده على قلبه عندما يتذكرها؛ فمنذ أن غادرته وهو يحاول الحصول على سبب فلم يجد، أو ربما هي أخفت الأسباب، بعد أربعة أعوام وقد فعل مثلها راوده الحنين، عاد ليحوم مرة أخرى مثل طائر جريح لايكاد يحرك جناحيه ، رأى تغييرات في مسكنها، أشياء قديمة مبعثرة كونت كومة في الحي، دفعه الفضول ليفتش في أسرار الحقائب القديمة وبقايا الدواليب التي لايزال بعضها في حالة جيدة، بعض الثياب والفساتين المطرزة خرجتْ أشلاء من بطن حقيبة قديمة، وقف عندها طويلًا، لفتَ نظره ملفٌ قديمٌ تنتظم فيه أوراق كُتب على سطورها بقلم أخضر، بدا الخطُّ كخطوط الفتيات، صرف نظره عن كل شيء، تلفّتَ حوله فلم ير أحدًا، أخذه لينظر إليه، عرف أنه يخصها، استله بخفة وغادر المكان والحنين يُخرج من عينيه الدموع، لم يذهب بعيدًا، كان في شوقٍ لقراءة الذكريات، تصفّحَ أوراق العام الأول، وجدها تشكر وتضع قلوبًا عند أسماء آخرين غيره، لم يكن معهم، لم تثنه الصدمةُ الأولى عن البحث في أوراق العام الثاني، وجدالقلم الأخضر يخط إعجابًا لغيره، شعر بالصداع، بدأ يؤنّبُ نفسه على رحلة الأمس مع السراب، في منتصف الذكريات وجدها تمجد واحدًا وأكثر لم يخطر على باله أن يكونوا منافسين له على هذا القلب، أفردت العام الثالث للحديث عن ذكريات جميلة مع غيره، ظل يردد وأنا… وأنا، ويح قلبي يا….، قبل أن يختتم القراءة بقي له أمل، وجد العام الأخير باهتًا، شكرتْ ببرود الذين لعبتْ بعواطفهم، لم يكن له مكانٌ وسط العبث، ولم يجد ورقته الضائعة التي يتمناها في سجل الذكريات، استرخى قليلًا في مركبته ثم أدار محرك التشغيل، عاد مجدَّدًا لمخلفات البناء، رمى السطور الخضراء الباهتة بين الأنقاض
مشاركة :