التوترات بين أمريكا وإيران بين التصعيد والتهدئة

  • 5/12/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعدت الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران في الفترة الأخيرة بعد مهاجمة الأخيرة الملاحة البحرية العالمية، والرد الأمريكي بمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني «قاسم سليماني»، بغارة أوائل يناير 2020، لتتوالى بعد ذلك سلسلة من الأحداث التصعيدية بين الطرفين. وفي حين انخفضت إمكانية حدوث حرب واسعة النطاق بشكل محدود، استمر وجود مستويات عالية من التوتر في المنطقة.وفي هذا الإطار، عقدت مبادرة الحرب بالوكالة لمؤسسة «كارنيجي»، ندوة عن بعد، يوم 6 مايو 2020، بعنوان «التوترات بين الولايات المتحدة وإيران»؛ بهدف تحليل الوضع الحالي للأحداث وأي إجراءات مستقبلية، أدارها «رانج علاء الدين»، من معهد «بروكنجز»، وتحدث فيها «أليستر بيرت»، وزير الدولة السابق لشؤون الشرق الأوسط بالمملكة المتحدة، و«داليا داسا كاي»، من مؤسسة «راند»، و«آريان طباطبائي»، من جامعة كولومبيا، و«لقمان الفيلي»، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية العراقية والسفير السابق لدى الولايات المتحدة، و«حسن أحمديان» الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة طهران.في البداية، ناقش «بيرت» الدور المحتمل للجهات الخارجية في محاولة تخفيف حدة العداء وتهدئة التوترات «الأمريكية-الإيرانية»، وركز بشكل خاص على الدول الأوروبية التي كانت من قبل تشارك في المفاوضات مع إيران، حيث قدم حجة مفادها أنه «ما لم تظهر الحاجة أو الإرادة للمحادثات في أي من الدولتين، فليس هناك الكثير لتقدمه الدول الأوروبية للتأثير على الموقف». وفي الوقت الحالي تستفيد كل من الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني من الحرب الكلامية، وهما قادران على تقديم الآخر كتهديد وجودي لأمنهما القومي. وهذا بدوره يستحق إنفاقا عسكريا هائلا وإجراءات لتقويض بعضهم البعض في الشرق الأوسط. ووافقت «داليا داسا كاي» على هذه الحجة، مشيرة إلى أن الاستراتيجية الأمريكية بتطبيق «أقصى ضغط» في ظل وجود «دونالد ترامب»، تهدف إلى إضعاف إيران وإجبارها على الاستسلام لمطالبها. وذكر تقرير لـ«مجموعة الأزمات الدولية» أنه: «خلال الفترة المتبقية من عام 2020، ستواصل واشنطن على الأرجح تصعيد الضغط على إيران في محاولة لإسقاط نظامها أو إجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات بشروط مواتية لها فحسب».وبالنسبة للدول الأوروبية، قال الدبلوماسي السابق، إن أفضل مسار للعمل في المستقبل هو الاستمرار في «الضغط من أجل أي تهدئة». وبحسب «بيرت»، كان على الأوروبيين تذكير الأمريكيين بأن «لدينا جميعا مصلحة في ذلك»، مشيرًا إلى نجاح الإمارات العربية المتحدة في تهدئة العلاقات مع طهران بعد قرارها إرسال مساعدات إنسانية إليها عندما كانت تكافح من أجل الاستجابة لجائحة كورونا. وبناءً على هذه القاعدة فإن تخفيف بعض العقوبات الأمريكية على إيران سيقدم خطوة أولى في تخفيف التوترات كأساس للحوار، مشيرًا إلى أن القرار بشأن تخفيف حظر الأسلحة الإيرانية في وقت لاحق من العام سيكون مؤشرا رئيسيا حول ما إذا كان من الممكن أن يخفف من حدة التوتر أو لا في المستقبل القريب. يقول «جوست هيلترمان»، من «مجموعة الأزمات الدولية»: «إننا لا نستطيع أن نظل بصدد عدم المحاولة في تحقيق أو إجراء محادثات مثمرة بين إيران والولايات المتحدة»، وخاصة أن التوترات في الخليج وتداعيات وباء كورونا تقدم «فرصة سانحة لواشنطن لإبراز مدى قيادتها ونفوذها لمعالجة هذه التوترات والتداعيات».وفي نهاية المطاف، بقي «بيرت» ملتزمًا بالرأي القائل إن تخفيف التوترات لم يكن محتملاً إلا إذا رأى أي من الممثلين فرصة تحقيقه بادية في الأفق. وكانت إيران في حاجة إلى «تقديم تنازلات إلى حد ما»، حتى يكون أي حوار مثمرًا، غير أن هذا يبدو مستبعدًا في الوقت الحاضر. وهكذا كانت «الحقيقة الواضحة» هي أن أي تغيير كان غير وارد إذا ما ظلت وجهات النظر من دون تغيير لدى الطرفين.وبالنسبة إلى «أريان طباطبائي»، تضمنت السياسة الإيرانية الحالية ثلاثة أهداف رئيسية، أولا: رفع كلفة «الضغط الأقصى» بالنسبة إلى الأمريكيين، حيث تبنت بشكل كامل سياسة التصعيد من خلال شن هجمات على واشنطن وحلفائها، إما مباشرة أو من خلال العديد من وكلائها في المنطقة. ويبدو ذلك جليا في الهجوم على قاعدة أمريكية في العراق في مارس2020، والذي أودى بحياة جنود بريطانيين وأمريكيين نفذته مليشيات مدعومة من إيران في العراق، فضلا عن استمرارها في تقديم الدعم للحكومة السورية والمتمردين الحوثيين في اليمن، كما اتُهمت بشكل قوي بالتورط في هجمات على منشآت نفط سعودية. وثانيا: بث خلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما أيده رفض واشنطن دعم الاتفاقات السابقة، ورفض أي فكرة لإعادة التفاوض مع إيران. وأحدث انسحاب «ترامب» من صفقة إيران النووية في 2018 توترا في العلاقات مع الدول الأوروبية التي لا تزال ملتزمة بتنفيذها. وثالثا: «جمع أوراق المساومة» لأي مفاوضات مستقبلية. وتبقى هذه هي السمة الأبرز للعلاقات الأمريكية الإيرانية الطويلة المدى. وبناء على فهم أن المفاوضات ستجرى في مرحلة ما، على الأرجح عقب انتهاء رئاسة «ترامب»، سعى النظام الإيراني الآن إلى تحقيق موقف جيوسياسي إيجابي، لذلك فإن التصعيد المستمر، الذي قد يتضمن تركيزًا أكبر على الأبحاث النووية، سيعمل على تزويد هذا النظام بأرضية قوية تمثل انطلاقا في أي محادثات مستقبلية. وتشير «طباطبائي»، كذلك إلى أن «واشنطن» قد بالغت في تقدير تأثيرها على الشؤون الإيرانية، مستشهدة بواقعة اغتيال «قاسم سليماني»، مُعتبرة أن مقتله لا يُشكل ضربة ساحقة للنظام، حيث إن القائد السابق قد أسس نظامًا بيروقراطيًا في الجيش الإيراني استمر بعد رحيله. وبدلاً من إصلاح الاستراتيجية الإيرانية، لم يؤد التصعيد إلى أكثر من «خلافات عملية» في النظام الإيراني «المرن بشكل لا يصدق». وفي حين، اتفقت مع هذا الرأي، «كاي» وأكدت أن السياسات الأمريكية تجاه إيران كانت «تولد ثقة مفرطة» في واشنطن؛ جادل «أحمديان»، بأن إيران كانت تقاوم بنجاح سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في «الضغط الأقصى»، وأن «السياسة الأمريكية قد أدت إلى نتائج عكسية». ومع ذلك، وبينما كانت إيران قادرة على الرد باستخدام القوة؛ فإن الإجراءات الأمريكية ضدها كان لها تأثير ضار كبير، وخاصة على الاقتصاد الذي أصبح على شفا الهاوية قبل أن تتسبب جائحة كورونا في إلحاق مزيد من الدمار. وردت «كاي» على ذلك بالقول: إن العقوبات الأمريكية ألحقت أضرارًا خطيرة بإيران، وأنها ستستمر طالما استمرت الأخيرة في شن هجمات مع وكلائها في الشرق الأوسط. وترى أيضًا أن واشنطن اعتبرت أن «الضغط الأقصى» ناجح مع ظهور النظام الإيراني «مترنح».واستشهدت بالإجراءات الإسرائيلية في تحطيم الوجود الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى إمكانية توجيه ضربات جوية على المنشآت النووية الإيرانية. وفي الواقع، يُقال الآن إن إيران بدأت في سحب وجودها بشكل لا بأس به من سوريا، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك بسبب الخسائر التي ألحقها هذا الوجود بإسرائيل، أو الحاجة إلى إعادة تأكيد تمركز قواتها ضد الأمريكيين أو ربما بسبب جائحة كورونا.ومع ذلك، بدا هناك اختلاف ملحوظ في الآراء حول دور إسرائيل في تفاقم الأزمة «الأمريكية الإيرانية»، وأشار «أحمديان»، بقوة إلى أن إسرائيل كانت القوة الرئيسية في الشرق الأوسط المسؤولة عن التأثير وتوجيه أجندة أمريكية مناهضة لإيران. غير أن «برت»، رأى أن دول الخليج الأخرى الصديقة للولايات المتحدة تستحوذ على أقصى قدر من الأهمية والمسؤولية في معارضتها التاريخية للتطلعات الإيرانية التوسعية في المنطقة، على عكس إسرائيل، ومثّل هذا الأمر عقبة رئيسية أمام تحقيق أي مفاوضات مستقبلية، وحذر كذلك من أنه حتى تتمكن إيران من الدخول في حوار ناجح مع الولايات المتحدة، سيتعين عليها أن تتخلص من الدعم الأمريكي الثابت لأحد الخصوم الرئيسيين لإيران في الشرق الأوسط في إشارة منه إلى السعودية.وبصفته عراقيًا، اعتبر السفير «لقمان الفيلي» أن احتمال نشوب صراع «أمريكي-إيراني»، خطر يهدد بلاده، التي ستكون «عالقة في وسط» هذا الصراع. فمع اضطرار العراق إلى «التعامل مع كلا الجانبين دون أدنى استفزاز؛ فإن أي تصعيد عسكري محتمل سيهدد الأمن القومي العراقي برمته. ناهيك عن أن هذا التصعيد سيمثل في الوقت ذاته كارثة مالية جديدة لا يحمد عقباها بعد انهيار أسعار النفط العالمية في الوقت الراهن. وعند النظر إلى أن 90% من الإيرادات في العراق تأتي من الصادرات النفطية، فإن احتمال حدوث اضطرابات مدنية هو أمر يجب أن يأخذه كلا الطرفين الأمريكي والإيراني في الحسبان، ولا سيما في ظل استمرار تواجد قوات «داعش» في ملاذات آمنة داخل الجبال العراقية.وبناء عليه، اقترح «الفيلي» حلا تمثل في الحاجة إلى مشروع مشترك يجلب كلا من إيران والولايات المتحدة إلى شكل من أشكال الحوار البناء، وأشار إلى القتال ضد «داعش» في العراق، كمثال حيث عمل الإيرانيون والأمريكيون معًا، بشكل غير مباشر ضد عدو مشترك. وبالتالي يمكن لحالة مماثلة أن تكون دافعًا نحو الدخول في «حوار بناء» يمكن من خلاله تخفيف التوترات بين واشنطن وطهران. ومن جانبها، أوضحت «كاي» أن أزمة الفيروس التاجي الحالية يمكن أن تقدم إمكانية لإتاحة «مشروع مشترك» بين كلا الطرفين؛ لكن «بيرت» أشار إلى أن الوباء الحالي لم يجبر حتى الآن أي أطراف على وقف واسع النطاق لإطلاق النار في جميع أنحاء الشرق الأوسط ولا أيضًا أجبرها على تخفيف التوترات بين الدول المعادية لبعضها البعض.وكان «علي فايز» من جامعة «جورج تاون»، قد قدم في ندوة يوم 5 مايو بـ«مجموعة الأزمات الدولية»، مجموعة من التوصيات بشأن تهدئة التوترات بين الطرفين، كان أبرزها الحاجة إلى إنشاء خط اتصال عسكري مباشر بين واشنطن وطهران، على غرار خط الاتصال للحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، والذي تم إنشاؤه بعد أزمة الصواريخ الكوبية. وفي هذا الصدد، خصّ سلطنة عمان كمرشح قوي للعمل كوسيط للاتصالات بين الدولتين؛ بسبب تاريخها في هذا المجال، وكونها واحدة من دول الخليج ذات العلاقات الدبلوماسية المستقرة مع إيران، فضلا عن التأكيد على ضرورة إقامة حوار إقليمي شامل بين دول الخليج. وفي تقرير لها بعنوان «الشرق الأوسط بين فكرة الأمن الجماعي والتفكك»، أشارت «مجموعة الأزمات الدولية» إلى «أن الطرق المعقولة التي تساعد أصحاب المصلحة على تقليل مخاطر اندلاع أعمال عدائية بينهم هو إجراء حوار شامل على نطاق واسع يهدف إلى تخفيف التوترات الإقليمية».وبشكل عام، اتخذت المناقشة نبرة متشائمة إلى حد ما تجاه احتمالات تهدئة التصعيد بين إيران والولايات المتحدة. ففي ظل عدم وجود إرادة سياسية لدى الطرفين على المدى القصير وندرة قنوات الاتصال الفعالة، والدبلوماسية المتوقفة، وتعدد نقاط التوتر الإقليمية وتأهب كل منهما بشكل كبير؛ فإن وقوع أي حادثة تصعيدية حتى لو كانت طفيفة، يمكن أن تخرج الوضع برمته بسرعة عن السيطرة. ومع ذلك، فالوضع ليس قاتما بالكامل؛ حيث إن جائحة كورونا قد توفر فرصة للتعاون المشترك في المستقبل. وحاليا هناك محادثات لإطلاق سراح السجناء. وفي النهاية أجمع المشاركون على الحاجة إلى نزع فتيل التوترات بين واشنطن وطهران وإقامة قنوات اتصال أقوى وضرورة تدخل الدول الخارجية والمنظمات الدولية، بما في ذلك جامعة الدول العربية، لمواجهة التحديات والعمل من أجل حل محتمل للتهدئة. 

مشاركة :