جدلية التوتُّر والتهدئة بين أميركا وإيران

  • 10/10/2017
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

تشتعل النقاشات في مراكز الأبحاث داخل الولايات المتحدة الأميركية حول الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى، لا سيما بعد اتجاه إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى انتقاده واعتبار الاتفاق «الأسوأ». ولا تلاحظ هذه النقاشات أن موازين القوى داخل إيران، بعد إبرام الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى، قد تغيرت داخلياً واجتماعياً، مما يكشف أن اختيارات إيران قد أصبحت أكثر صعوبة بعد توقيع الاتفاق النووي عما قبله. وربما تعرقل النقاشات الأميركية حول صوابية الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب ذلك التغيير، على اعتبار أن الأطراف الراديكالية من الطرفين تزداد قوة في لحظات الصدام والمواجهة وتتراجع في حالة التبريد والتهدئة. قبل انتخاب ترامب، وفي سياق الضغط الناعم على إيران، صك الدبلوماسي الأميركي الأشهر هنري كيسنغر سؤالاً: هل إيران أمة-دولة أم قضية؟ في معرض محاولته الناعمة لتسليط الضوء على الشروط غير المرئية على عودة إيران إلى المجتمع الدولي، خصوصاً سلوكها حيال إسرائيل وتحالفاتها مع القوى غير الدولتية في المنطقة. كانت تلك الضغوطات الناعمة متزامنة مع وجود إدارة باراك أوباما في البيت بالتوازي مع اقتناع أميركي رسمي بجدوى الاتفاق النووي. ولا ننسى هنا أن الثعلب كيسنغر اشتهر بدبلوماسيته مع بلدين أساسيين حولهما – بتفاوت في النجاح – من موقع المعادي للولايات المتحدة الأميركية إلى موقع آخر وهما: الصين ومصر. مباشرة يضمر السؤال معنى أن استمرار إيران في سلوكها الإقليمي المناوئ لحلفاء أميركا في المنطقة، وتمسكها بعدم الاعتراف بإسرائيل، يجعلان إيران مجرد «قضية» مختلف عليها، وليس دولة إقليمية تحظى باعتراف دولي. واستطراداً، يعني ذلك أيضاً أن تحالف إيران مع «حركات المقاومة» بتعريفات إيران ومؤيديها، أو «القوى غير الدولتية» بمصطلحات العلوم السياسية، أو «الحركات الإرهابية المسلحة» بمعايير القوى المؤيدة لإسرائيل في الغرب، أمر يتناقض بالضرورة – وفقاً لكيسنغر – مع عودة إيران إلى المجتمع الدولي كدولة-أمة. لم نشهد بوضوح تغيراً في موازين القوى الداخلية الإيرانية للسير باتجاه القيود الجديدة لاعتبارات مختلفة، لكننا سمعنا في الفترة التي سبقت انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا أصواتاً إيرانية في الداخل (أستاذ العلوم السياسية صادق زيبا كلام) وفي الخارج (الباحث السياسي ألكسندر وطنكا)، تتحدث عن ضرورة تغيير السلوك الإيراني حيال إسرائيل بما يتلاءم مع مصالح إيران الوطنية. وتغيير السلوك هنا لا يعني بالضرورة الاعتراف بإسرائيل أو التبادل الدبلوماسي معها، وإنما تهميش إسرائيل في الخطاب السياسي الإيراني؛ ليصبح سلوك إيران حيالها شبيهاً بالسلوك الماليزي أو الأندونيسي أو الباكستاني، الأمر الذي يسهل ويسرع ويشرع عودة إيران إلى المجتمع الدولي، وفق المنطق الداخلي للسؤال. وشت تلك الآراء الإيرانية بوجود رغبة عارمة لدى فريق داخل إيران وخارجها، إصلاحي وواقعي وبراغماتي ودولتي، بتقنين وضعية إيران بعد الاتفاق النووي مع الغرب، بما يترتب على ذلك التقنين من فرص وقيود يجلبها الاتفاق النووي معه. في هذا السياق شكل السؤال «البريء» معضلة بالفعل، فمن ناحية أعطت «إيران القضية» الكثير من الزخم لنفوذ طهران الإقليمي – بغض الطرف عن الاتفاق أو الاختلاف معها – لكنها كلفت طهران رأسمالاً سياسياً واقتصادياً ضخماً. في المقابل، تغليب منطق الدولة-الأمة (تمتد إلى عمق تاريخي يزيد على ألفي سنة) سيجعل إيران بمضمونها القومي الفارسي معزولة عن المنطقة بأغلبيتها السكانية العربية، فتغدو مكاسب إيران الإقليمية في السنوات الأخيرة في مهب الريح. كما ولا يخفى أن «معادلة إما أو» الكيسنغرية تستبعد، موضوعياً وفلسفياً، إمكانية دمج طرفي المعادلة معاً، فيكون على أفراد النخبة الإيرانية وصناع القرار في طهران الاختيار بين سلوكين وسياستين لا يلتقيان ولكل منها أثمانه الكبرى. في كل الأحوال يبدو أن سؤال القضية أم الدولة، وإجابته الصعبة وذات الأثمان السياسية العالية لم تصبح محور استقطاب النخبة الإيرانية كما كان متوقعاً، وذلك بسبب تشكيك الإدارة الأميركية الجديدة في الاتفاق وجدواه. د. مصطفى اللباد

مشاركة :