في لقاء تلفزيوني بُث العام 2017، تحدث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن أهمية التحوط المالي في بناء الميزانية العامة، وعدم تحمل مخاطر كبرى على حساب الاقتصاد الوطني، وعدم المراهنة على أسعار النفط المتغيرة، وأهمية تنويع مصادر الاقتصاد بما يضمن إيجاد مصادر للدخل من خارج القطاع النفطي. كان التركيز منصبًا آنذاك على إتفاق أوبك+ وإمكانية استدامته، وانعكاسه على أسعار النفط، وبالرغم من وقوف الأمير محمد بن سلمان خلف الاتفاق الذي عزز أسعار النفط حتى مارس 2020، إلا أنه أبدى تخوفه من مواجهة أزمات نفطية قادمة، ما يستوجب التحوط لها والعمل على مواجهتها لتجنيب الاقتصاد الكلي والمالية العامة انعكاساتها السلبية. أثبتت أزمة النفط الحالية، وانهيار الأسعار بنسبة 66 %، وانخفاض الدخل بنسبة 50 % الرؤية الاستشرافية للمخاطر المتوقعة والمؤثرة على الاقتصاد، وضرورة الاستعداد لها. مرت المملكة بأزمات اقتصادية مختلفة عبر تاريخها المديد، ما حملها على اتخاذ سياسة «شد الحزام» لضبط وخفض النفقات العامة وبما يتوافق مع الظروف الاستثنائية. السعودية جزء من العالم، وليست آمنة من تداعيات الأزمات الاقتصادية، وعندما يكون التأثير الأكبر على أسعار النفط، فالأكيد أن تداعياتها ستكون حادة على المالية العامة، وانخفاض الإيرادات، ما يستوجب التعامل معها وفق سياسة التقشف، وإجراءات اقتصادية يفرضها الأمر الواقع. يمر العالم بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، عطلت الإنتاج وقطعت سلاسل الإمداد وخفضت التجارة العالمية بنسبة 30 %، ويعجز الخبراء عن التنبؤ بمداها الزمني، ما استوجب إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي واتخاذ سياسة شد الحزام، وإلغاء بدل المعيشة وإجراءات احترازية للحد من الأثر السلبي للأزمة. ولعلي أشير إلى أن سياسة التقشف عادة ما تبدأ بالبنود المالية الأقل تأثيرًا على المواطنين وهي سياسة تلتزم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده حين تعاملها مع الأزمات؛ وأحسب أن القرارات المتخذة لم تطل رواتب الموظفين والعلاوات التي طالب بها البعض؛ وربما جاءت بالحد الأدنى مخالفة توقعات وزير المالية الذي تحدث عن قرارات مؤلمة. أثبتت الأزمات الاقتصادية السابقة التزام المملكة التام والمسؤول تجاه مواطنيها وموظفيها، وهو أمر لم يكن ليحدث لولا التدبير المالي والتحوط في الأزمات، وجعلها المواطن في مقدم اهتماماتها المالية والتنموية. لا تتوقف تداعيات جائحة كورونا عند تعطيلها الاقتصاد العالمي وتكبيد الدول خسائر فادحة، وبخاصة دول النفط، بل تتجاوزها إلى ضبابية مستقبل الاقتصاد، وعدم اليقين حيال الفترة الزمنية التي قد تستغرقها الجائحة، ما يزيد من معاناة الاقتصاد العالمي والمحلي ويرفع من المخاطر ويفرض مزيدًا من التحوط المالي، والمعالجة الاقتصادية، خاصة مع وجود التحديات الجيوسياسية؛ التي تتطلب مزيدًا من التركيز والمعالجة، وإعادة النظر في النفقات وترتيب الأولويات. القرارات المالية الصعبة تسهم؛ بعد توفيق الله؛ المحافظة على القوة المالية للدولة، وتجنبها الكثير من الأزمات المستقبلية، وتحافظ على مدخراتها التي تعتبر قاعدة الدفاع عن الريال والمحافظة على سعر الصرف الحالي وبما يحد من التضخم في حال انخفاضه. عدم اتخاذ الحكومة قرارات مالية صارمة لمواجهة الأزمة ومنها خفض الالتزامات المالية وتمديد العقود وتعليق بعض البنود يمكن أن يتسبب بضرر فادح للمالية العامة، وبالتالي قدرة الحكومة على الإنفاق مستقبلاً، ما قد يتسبب في كساد مؤثر على قطاعات الاقتصاد، وارتفاع في نسب البطالة، ويلغي مكاسب الإصلاحات الاقتصادية المحققة خلال الخمس السنوات الماضية؛ وهو ما لا تريد الحكومة الوصول إليه؛ وما يفترض أن يتفهمه المواطنون الأوفياء الذين يقفون دائمًا مع وطنهم وقيادتهم وبخاصة في أوقات الأزمات.
مشاركة :