خريطة طريق جديدة لسوق العمل

  • 6/27/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يقابل كل زيادة سنوية في توظيف العمالة السعودية في سوق العمل المحلية بشكل عام، وفي القطاع الخاص تحديدا، زيادة مماثلة أو أكبر في الجهة المقابلة المتمثلة في العاطلين عن العمل، وبصورة أكبر بالنسبة للإناث. فعلى الرغم من توظيف نحو 577.3 ألف سعودي وسعودية في السوق خلال 2013 - 2014 إلا أنه في المقابل ارتفع عدد العاطلين للفترة نفسها من 602.9 ألف عاطل وعاطلة بنهاية 2012 إلى أعلى من 651.3 ألف عاطل وعاطلة بنهاية 2014، وزاد كذلك توظيف العمالة الوافدة للفترة نفسها بصافي زيادة فاقت 1.1 مليون عامل! انتهى الفصل الدراسي الماضي حاملا معه زيادة جديدة في أعداد الباحثين عن عمل، يقدر أن تتجاوز أعدادهم سقف الـ380 ألف مواطن ومواطنة، ما يعني زيادة في الضغوط على الاقتصاد الوطني وسوق العمل المحلية، وفي حال استمر الرتم المتراجع للتوظيف، كما أظهرته بيانات وزارة الاقتصاد والتخطيط في تقريرها الأخير، بتراجع أعداد الداخلين الجدد من السعوديين والسعوديات إلى سوق العمل المحلية من 339.4 ألف عامل خلال 2013، إلى 237.8 ألف عامل خلال 2014، فلا شك أنه مع تنامي أعداد الباحثين عن عمل سنويا، يتوقع أن ترتفع أعداد العاطلين مع نهاية العام الجاري لأعلى من رصيده الراهن، وكأن نتيجة السباق مع تحدي البطالة لا تزال تؤكد أنها مستمرة في الفوز على حساب الاقتصاد الوطني. دون الخوض في تشبع الزيادة المطردة لتوظيف السعوديين والسعوديات طوال الفترة 2011 - 2014 بالتوظيف الوهمي، الذي تقوم وزارة العمل في الوقت الراهن بمطاردة المتورطين فيه، ودون الخوض في تفاقم زيادة الاستقدام وتوظيف العمالة الوافدة للفترة نفسها، التي تجاوز خلالها عدد التأشيرات الجديدة سقف 8.3 مليون تأشيرة، وبالوقوف أمام حالة سوق العمل المحلية ازدادت تحدياتها التنموية، هي في الأصل جزء لا يتجزأ من التحديات التنموية الكبرى على مستوى الاقتصاد الكلي، تشير الوقائع إلى أن مراجعة جدوى سياسات وبرامج التوظيف الأخيرة أصبحت من الضرورة بمكان أمرا لا مفر منه، وأنه لا بد من رسم خريطة جديدة لسوق العمل، وقد يكون متعذرا تحت الظروف الراهنة والتحديات التي نتجت عن قصور برامج التوطين الأخيرة، العودة حرفيا إلى استراتيجية التوظيف السعودية التي جمد العمل بها قبل أن تنفذ قبل عام 2011. تتولى في الوقت الراهن لجنة وزارية (المالية، العمل، التجارة والصناعة، الهيئة العامة للاستثمار) بمشاركة القطاع الخاص دراسة وبحث ملف البطالة، للخروج بتوصيات عاجلة يتم رفعها لخادم الحرمين الشريفين على وجه السرعة، وكما أن هذه اللجنة العليا يعنيها الوصول إلى أفضل التوصيات الخاصة بمعالجة البطالة، فإنه يعني أيضا بصورة أكبر مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات الباحثين عن فرص كريمة للعمل، متطلعين إلى فاعلية أقوى تتسم بها تلك التوصيات أو السياسات المرتقبة عن أعمال تلك اللجنة. لعل من أهم ما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام ما سيأتي في المحاور التالية؛ المحور الأول: أن تتسم الآليات والسياسات المرتقبة بالتوازن على المستوى الزمني، فلا تغلب النتائج السريعة ذات الأجل القصير على الأجل المتوسط والطويل، كما طرأ على نتائج برامج التوطين الأخيرة، ولا العكس أيضا. وللخروج من هذا المأزق قد يكون أقرب إلى العقلانية عدم النظر إلى نشاطات الاقتصاد بالإطار الرقمي نفسه الذي عاب برامج التوطين الأخيرة، كون عديد من النشاطات أو القطاعات تتمتع بقدرة أكبر وأفضل في الوقت الراهن على امتصاص أعداد أكبر من الباحثين عن عمل من المواطنين، على سبيل المثال شركات التشغيل والصيانة ذات العقود الضخمة مع الحكومة، والشركات الكبرى في قطاع الاتصالات والنقل والتخزين والخدمات المالية والتأمين، نظرا لما تتمتع به من ارتفاع أجورها والمزايا الأخرى الوظيفية المنافسة، إضافة إلى انتشار نشاطاتها على مستوى عموم مساحة البلاد، فهذه من الأحرى ألا يسمح لها بالاستقدام كما تتيح لها برامج التوطين الأخيرة، ليتم في المقابل إلزامها بتوظيف المواطنين والمواطنات، ووفقا لأحدث البيانات الرسمية عن سوق العمل المحلية، تناهز أعداد الوظائف المتاحة في تلك الشركات سقف الـ2.0 مليون، ولا تتجاوز نسبة التوطين فيها سقف الـ30 في المائة، ما يعني توافر فرص التوطين فيها بأكثر من مليون وظيفة للسعوديين والسعوديات خلال أقل من عامين مقبلين، وهو الحل الكفيل بإطفاء الجزء الأكبر من التحدي الراهن للبطالة. المحور الثاني: أن تستثنى النشاطات الاقتصادية الأخرى غير المجدية لتوظيف السعوديين في الأجل القصير والمتوسط، سواء من حيث مستوى التعليم والمهارات أو من حيث مستوى الأجور، ومن أمثلتها نشاط المقاولات والتشييد والبناء وأغلب محال التجزئة (حلاقة، سباكة، نجارة، إلخ)، لما تعانيه من تدني الشهادات اللازمة لشغل وظائفها، إضافة إلى ضعف مستويات أجورها، هذا إضافة إلى عدم وجود الرغبة من الأصل لدى المواطنين للعمل فيها، وهو ما أوقع أرباب تلك النشاطات من المواطنين في ورطة عدم قدرتهم على إيجاد من يعمل فيها من السعوديين، ما أدى لاحقا إلى لجوئهم إلى التوطين الوهمي أو إلى إغلاق نشاطاتهم تماما. كما أدى تفاقم التحديات بالنسبة لتلك النشاطات إلى ارتفاع تكاليفها على أفراد المجتمع، ولا شك أنه يعد خطأ فادحا النظر إليها على قدم المساواة مع النشاطات الأعلى إنتاجية ودخلا والأكثر طلبا من قبل المواطنين والمواطنات. ولمن يتساءل في خصوص مسألة الاستقدام هنا، أرد عليه بمنحها المرونة اللازمة في هذا المجال على العكس تماما من الشركات المذكورة في المحور الأول؛ والقياس والمقارنة هنا من السهولة بمكان إيضاحها، فحينما يتم توظيف 100 مواطن ومواطنة في وظائف متوسط دخلها الشهري أعلى من 8000 ريال شهريا، مقابل السماح باستقدام 100 عامل وافد لوظائف متوسط أجورها لا يتجاوز 2000 ريال، يعد خيارا أفضل بكثير من توظيف 50 مواطنا ومواطنة في الوظائف ذات المتوسط الدخل بـ8000 ريال شهريا، والـ50 الآخرين في الوظائف ذات المتوسط الدخل بـ2000 ريال، وإتمام بقية الوظائف بالعمالة الوافدة عن طريق الاستقدام. المحور الثالث: أن ينتج عن عمل اللجنة الوزارية والقطاع الخاص تجاه ملف البطالة توصية بتأسيس فريق عمل تنفيذي دائم، يعمل تحت مظلة مجلس الاقتصاد والتنمية، يتولى رسم سياسات التوطين الطويلة الأجل، ومراجعة البرامج والإجراءات المتعلقة بسوق العمل المحلية كافة، والرفع بها إلى رئيس المجلس بصورة دورية، يكون من أول مهام هذا الفريق رسم خطة استراتيجية شاملة وواضحة للاقتصاد الوطني، تستهدف زيادة تنويع قاعدة الإنتاج المحلي، وزيادة القدرة على إيجاد مزيد من فرص العمل الكريمة للمواطنين والمواطنات. المحور الرابع: للقيام بكل ما تقدم، من الضرورة أن يتم تعليق العمل بكل برامج التوطين الراهنة، وإعادة اتخاذ القرار في شأنها وفقا لما تنتهي إليه أعمال وجهود اللجنة الوزارية. والله ولي التوفيق. نقلا عن الإقتصادية

مشاركة :