يبدو أن تفرّد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بسلطة القرار وإقصاء كل من يخالفه بالرأي يدفع بالحركة إلى مزيد من التصدع والتشرذم، وسط ترجيحات بأن نزيف استقالات قيادات الصف الأول سيتواصل في ظل الوضع الحالي. وفي محاولة لبسط نفوذه وإقصاء معارضيه، كشف مصدر من حزب حركة النهضة الإسلامية الشريك في الائتلاف الحكومي في تونس، عن قرار رئيس الحركة راشد الغنوشي بحل المكتب التنفيذي للحزب. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن القرار تمّ اتخاذه خلال اجتماع المكتب التنفيذي منذ الـ6 من الشهر الحالي، ولم يتم الإعلان عنه. وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن الحركة تستعد لطرح قائمة بديلة من قبل رئيس الحركة في اجتماع لمجلس الشورى في دورته القادمة. وسيتولى مجلس الشورى الهيئة الأعلى في الحزب مناقشة القائمة الجديدة والتصويت عليها. ويرى مراقبون في خطوة الغنوشي محاولة لإبعاد معارضيه من داخل المكتب التنفيذي والعمل على انتخاب أعضاء جدد مقربين إليه، مشيرين إلى أن عملية إقصاء رئيس الحركة لمن يخالفه في الرأي سيعمّق من حالة الاحتقان داخل أروقة الحزب ويدفع إلى مزيد من الاستقالات. وقالت المصادر ذاته أن حل المكتب التنفيذي تعكس حجم تخبط الحركة الإسلامية التي باتت رهينة توجهات الغنوشي وأطماعه السلطوية. ولم تتضح أسباب حل المكتب الحالي، ولكن الخلافات الداخلية قائمة بين القيادات المخضرمة والشابة بشأن طريقة إدارة الهياكل وتجميع السلطات بين يدي رئيس الحركة، وسط استقالات لقيادات وازنة. وجاء ذلك فيما تعيش الحركة الإسلامية أزمة حقيقية داخل أروقتها سرعان ما خرجت إلى العلن بسبب تفرّد الغنوشي بسلطة القرار وعدم الاستماع إلى مختلف أراء القيادات الوازنة في قضايا محورية. ويذكر أن الخلافات بدأت تدب في الحركة منذ إعلان الغنوشي ترشحه للانتخابات البرلمانية والدفع بعبدالفتاح مورو كمرشح لحركة النهضة وهي خطوة لاقت رفضا واسعا من قبل قيادات النهضة. ويستعد الحزب لعقد مؤتمره الحادي عشر في وقت لاحق من هذ العام، وتتصدر عناوينه المستقبل للزعيم التاريخي للحزب على رأس الحركة. وبات تفرد الغنوشي بالرأي داخل الحزب الحدث الأبرز الذي عمّق انقسامات وتصدعات النهضة، ودخلت هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في مأزق مُتعدد الأوجه يشي بانهيارات تنظيمية مُتسارعة. وتؤكد الاستقالات التي تتالت بشكل لافت، أن مأزق هذه الحركة جعلها تتدحرج بسرعة نحو الدخول في مرحلة التفكك التدريجي، مثلها مثل بقية تنظيمات الإخوان المسلمين سواء أكانت في مصر أو الأردن، أو غيرهما من الدول العربية الأخرى، التي عصفت بها رياح عاتية بعثرت صفوفها وجعلت نشاطها ينكفئ في مربعات ضيقة داخل الغرف المُغلقة. وسبق أن قدمت قيادات من الصف الأول استقالتها من الحركة، احتجاجا على احتكار الغنوشي قرار تحديد التوجهات وانفراده بالرأي في تسيير الحركة، ومن أبرزهم هذه القيادات زياد العذاري الأمين العام للحركة الذي قدم استقالته من منصبه وتخليه عن جميع مهامه داخل الحزب في موفى 2019. ويذكر أن حركة النهضة شهدت نزيف استقالات عقب وصولها إلى الحكم بعد الثورة (2011)، من أبرزها استقالة أمينها العام حمادي الجبالي في 5 مارس 2014 من كافة هياكلها، وكذلك القيادي رياض الشعيبي (في نوفمبر 2013) واستقالة رئيس مكتب رئيس الحركة زبير الشهودي (في سبتمبر 2019) من كافة مؤسسات الحركة، تلتها استقالات أخرى كان آخرها لأمينها العام زياد العذاري في 26 نوفمبر 2019 من المناصب القيادية، ثم استقالة كل من هشام العريض وزياد بومخلة يوم 14 جانفي الماضي من الحركة.
مشاركة :