مقدما، إن هذه المقالة ليست معنية بالنبش في شخصية رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، ولا بتفسير حركاته وجولاته ومكالماته الهاتفية وزياراته لمؤسسات ذات علاقة التحامية بمصادر أرزاق المواطنين وبين الحكومة. ولكن ما يفرض بيانه هنا هو أن هذه القرارات والإجراءات أثارت مخاوف حقيقية لدى أصحاب الميليشيات من احتمال أن تجرَّه، طوعا أو جبرا، إلى الاصطفاف مع المتظاهرين، وهذا بالتالي لن يقضي، فقط، على هيبتهم القيادية ومواقع سلطاتهم السابقة، بل قد يغري الجماهير الغاضبة بمهاجمة مكاتب أحزابهم ومستودعات سلاحهم، وملاحقة أتباعهم وإرهابهم ودفع بعضهم، أو كثير منهم، إلى التمرد عليهم، أو التخلي عنهم والانضمام إلى أعدائهم، وقد تقودهم في النهاية إلى ساحات العدالة والقصاص. ففي ثلاثة أيام فقط حدثت أمور تعد خطيرة جدا ومثيرة بحكم وضع العراق المتشابك المتطاحن. وهي أمور كانت في اعتبارات أصحاب الأحزاب وحساباتهم واعتباراتهم، وبحكم سطوتهم ونفوذهم المهيمن على الدولة ومؤسساتها، من الكبائر، ومحرم على أي مسؤول ليس فقط تنفيذها بل مجرد التفكير فيها، ولا يسمحون بأي منها، كإعادة قادة عسكريين كبار معارضين أشداء لسلطة الميليشيات إلى مواقعهم السابقة التي طردهم منها سلفه عادل عبدالمهدي، وإحالة بعض كبار الضباط والمسؤولين المُعيَّنين من قبل أصحاب الأحزاب على التقاعد، والبدء بالترويج لفكرة إعادة ترسيخ مهنية الجيش، وتنظيف الجيش والقوات المسلحة من المُضافين بالدمج، ثم الإفراج عن جميع المعتقلين من المتظاهرين، وتعويض أسر شهدائهم، وتشكيل لجنة عليا للتحقيق في حوادث الاغتيال والاعتداء التي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء، ومنع السياسيين من التدخل في الشؤون العسكرية والأمنية، ثم منع البنك المركزي من الاستمرار في مزادات العملة، وآخرُها حديث وزير الداخلية الجديد مع كبار قادة وزارته وأجهزتها حيث هددهم بقطع يد من تسول له نفسه العودة إلى بيع مناصب الوزارة لمن يدفع أكثر، ثم ما حدث في البصرة، حيث قامت أجهزة الأمن، لأول مرة، بمداهمة مقر ميليشيا “ثأر الله” واعتقال خمسة من أفرادها ومصادرة جميع الأسلحة التي وجدتها في المقر، وذلك لإقدام مسلحين من داخل المقر بإطلاق النار على المتظاهرين، وقتل أحدهم. وفي البصرة أيضا تجمع المتظاهرون أمام مبنى المحافظة مطالبين باستقالة المحافظ المعروف بانتمائه لمنظمة بدر. وفي واسط جرت محاصرة منزل المحافظ ومنزلي نائبيه من قبل الجماهير المطالبة بإقالتهم وإحالتهم إلى القضاء. ومن مجمل الأحداث المتسارعة يمكننا رصدُ أمرين. الأول أن قادة النظام الإيراني ووكلاءهم العراقيين لا يريدون أن يواصل الكاظمي سياسة ملاطفة الشارع الشعبي المنتفض، سواء كان جادا أو فقط راغبا في تهدئة خواطر الجماهير، وإنهاء حالة التظاهر والاحتجاج، وذلك لأن الاستمرار في هذه السياسة قد يبعده عنهم شيئا فشيئا، وقد يستلطف مظهره الشعبي المناهض لسلطة الأحزاب الكبيرة، وقد يجعله أقرب إلى شخصية القائد الوطني المستقل، والمُستقوي بتأييد الجماهير. وهذا وحده كافٍ لأن يُشعل حربا أهلية مصيرية شاملة في جميع محافظات العراق هم ليسوا قادرين على خوضها الآن، ولا على تحمل نتائجها الكارثية المؤكدة، خصوصا وأن راعيتهم وحاميتهم، إي
مشاركة :