إجراءات لحماية الاقتصاد - محمد سليمان العنقري

  • 5/13/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تقع الأزمات بشكل عام تكون الأولوية لاحتوائها؛ ليتم تحجيمها، والتغلب عليها.. وهو ما يحدث مع الأزمات الاقتصادية، لكن عندما تكون مفاجئة، ولا توجد مؤشرات سابقة لحدوثها كما هو في الأزمة المالية العالمية 2008م التي بدأت مؤشراتها قبل ذلك بنحو عام، فالتعامل مع هذا النوع من الأزمات التي نعيش فصولها حاليًا (المفاجئة بشكلها وحجمها) يكون صعبًا، ويكتنفه تحديات عديدة. فالأزمة الحالية لجائحة كورونا هي مركبة بطبيعتها؛ وهو ما يزيدها تعقيدًا؛ لأنها في الأساس صحية، تمس حياة كل إنسان على وجه الأرض، وانتقلت لتصبح أزمة اقتصادية عالمية ضخمة، وذات أبعاد خطيرة إذا لم يتم احتواء سببها بأسرع ما يمكن، وهو التحدي الكبير حتى وقتنا الحالي. ولعل أفضل السيناريوهات لحماية الاقتصاد لأي دولة من تداعياتها بسبب الإقفال الكبير القائم حاليًا في أغلب الدول هو توقع أسوأ سيناريو لها، والتعامل على أساسه؛ حتى يكون التحوط بأعلى مستوياته؛ ليقل خطر هذه التداعيات، ويتم احتواء أغلبها للخروج من نفق الأزمة بأقل الأضرار؛ وهو ما يتيح الانتقال لمرحلة البناء والنمو على أرضية صلبة، وخبرة واسعة، تمثل حصنًا لمستقبل الاقتصاد. وفي المملكة تم اتخاذ إجراءات عديدة لحماية الاقتصاد منذ بداية الأزمة بحِزَم عديدة، منها مبادرات مؤسسة النقد بـ50 مليار ريال، وتلتها مبادرات لوزارة المالية، تخطت في مجموعها في مرحلتين 120 مليارًا. وهذه الإجراءات هدفت لحماية الاقتصاد، والحفاظ على المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ وذلك لدعمها لمواجهة الأزمة، وكذلك الحفاظ على الوظائف للمواطنين بالقطاع الخاص، لكن هذه المبادرات ليست سوى جانب من حماية الاقتصاد، بينما هناك مفاصل أخرى، لا بد من اتخاذ إجراءات لتحقيق الحماية لها. ولأجل ذلك أعلن معالي وزير المالية وزير الاقتصاد والتخطيط المكلف إجراءات لحماية ودعم الاقتصاد للمستقبل، وذلك من خلال إعادة توجيه الإنفاق العام وتعديلاته بما يحقق وفرًا بالنفقات بحدود 100 مليار ريال من موازنة العام الحالي، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وتشكيل لجنة لدراسة المزايا المالية للموظفين الحكوميين غير الخاضعين لنظام الخدمة المدنية. فمن المهم فَهم هذا التوجه الذي يعني حماية ودعم المالية العامة؛ كونها الرافد الرئيسي لتنشيط الاقتصاد الوطني. وكون الإيرادات تتأثر بشكل كبير بإيرادات النفط فإن انخفاضها بسبب الإقفال الكبير الذي خفّض الطلب على النفط بنحو 30 في المائة أدى إلى تراجع الأسعار بأكثر من 60 في المائة خلال فترة قصيرة ومفاجئة. ولا بد من التعامل مع هذا التطور السلبي بحذر شديد. فما يمكن فهمه أن تحقيق الحماية يتطلب توقع أسوأ الاحتمالات، أي أن تستمر الأزمة فترة طويلة، وأن أسعار النفط لن تتحسن في وقت قصير؛ وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات تقلل جدًّا من اللجوء للاحتياطيات، واستخدام أدوات مالية أخرى لكي تبقى المالية العامة بوضعها القوي حاليًا من حيث الاحتياطيات والمرونة المطلوبة للتعامل مع التطورات الاقتصادية المتلاحقة. فمن السهل أن تسحب من الاحتياطيات اليوم لتغطية العجز، لكن ذلك سيخفضها بشدة، ولا يعطي الحماية إلا لفترة قصيرة، بينما الأخذ بعين الاعتبار أن الأزمة ممتدة والتحوط لها يتطلب إجراءات استباقية، وإن ذلك يسهم بتحصين الاقتصاد؛ لأن المالية العامة هي المحرك الحقيقي له، وجزء كبير من القوى العاملة الوطنية يعملون بوظائف حكومية، ولا بد من الحفاظ على المكتسبات العامة، ودعم تحقيق الاستقرار النقدي؛ وبالتالي الاقتصادي. ومن الطبيعي أن لهذه الإجراءات المتخذة تأثيرات سلبية على قطاعات كالتجزئة، أو تغيير بجدوى وتكلفة بعض مشاريع القطاع الخاص، أو ارتفاع تكاليف التشغيل، وخصوصًا ما سيعكسه رفع ضريبة القيمة المضافة، لكن في المقابل هذه الإجراءات المؤقتة لها أيضًا انعكاسات إيجابية للمصلحة العامة، أخذت موازنة الكفة الأرجح للإيجابيات؛ إذ ذكر وزير المالية أن التوجيه صدر «بأخذ أكثر الإجراءات ملاءمة، وأقلها ضررًا، وأخفها حدة». في مثل هذه الأزمة غير المسبوقة لا قوة إلا للدول التي تمتلك احتياطيات مالية كبيرة، كما هو حال المملكة - ولله الحمد -، أو قدرات واسعة بالأدوات النقدية والمالية، كأمريكا والاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، لتحمُّل الأزمة، والتمكن من مواجهة تداعياتها؛ لأن جل الأنشطة توقف، ومصادر الدخل تراجعت، للدول والمنشآت والأفراد، ولا بد في هذه الحالة من النظر للمخاطر الكبرى المحتملة للتداعيات المستقبلية، والتعامل على أساسها حتى تنجلي الأزمة، وعندها يتم إعادة تنشيط الاقتصاد من جديد على أرضية صلبة وواقع واضح، لا يشوبه عدم اليقين. ولا بد من التكاتف مع الإجراءات الاحترازية الصحية والاقتصادية من قِبل المجتمع للتصدي للأزمة، والخروج منها بأقصر وقت ممكن.

مشاركة :