من الذي خسر الشرق الأوسط..؟ - د.علي بن حمد الخشيبان

  • 11/4/2013
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

عندما انطلقت الثورة في تونس ثم تلتها مصر ثم اليمن وليبيا فسورية.. هذه الثورات تم النظر اليها من قبل شعوب تلك الدول على انها عملية تصحيح سياسي يمكن التعامل معه وتجاوزه من خلال المعارضة الفورية واقتحام المجال السياسي، ولكن بعد عام من قيام تلك الثورات تبين أن القضية اكبر من رؤية سياسية تصحيحية ضد دكتاتوريات استطاعت التوافق وترويض الشعوب في تلك الدول لسنوات طويلة. المستقبل في منطقة الشرق الأوسط كما يمكن قراءته عبر الاحداث سوف ينتج الكثير من المفاجآت السياسية والاقتصادية والفكرية فما تمر به المنطقة هو تحول...! سواء أكان هذا التحول مفروضا ام تلقائيا لذلك فإن التعامل مع هذا المستقبل يتطلب شروطا قاسية لابد وان تلتزم بها الشعوب والدول معاً لقد تبين ان الانفجار الثوري في تلك الدول هو منعطف خطير لم تكن تلك الدول تدرك تراكمه، هذا المنعطف المليء بالأسئلة السياسية والحقوق والواجبات لم يكن قادرا على استيعاب تلك الجموع البشرية التي دفعت نفسها أو دفعت من آخرين لتعلن أنها لا تناقش الدكتاتورية السياسية بل إن تلك الشعوب التي استمرأت الدكتاتورية السياسية لم يكن التسلط والقهر في شعاراتها المستخدم للثورة حتى وإن كانت الكلمات تتشابه. اندفاع الشعوب العربية الثائرة خلق مساحة واسعة لممارسة سياسة جديدة في الشرق الأوسط وبدا واضحا ان الشرق الأوسط الجديد ليس بالضرورة ان يكون تقسيمات جغرافية كما يعتقد البعض فمثل هذه التقسيمات يصعب تنفيذها وخاصة في منطقة لا تعاني من وجود حركات انفصالية بالمعنى السياسي ولكن بالمقابل هناك حركات انفصالية بالمعنى الأيديولوجي. صعود التيارات المؤدلجة والراديكالية بهذه السرعة لملء الفراغ السياسي الذي حدث في تلك الدول يفسر تزاحم الحركات الانفصالية المؤدلجة نحو تمرير مشروع الشرق الأوسط فكريا وثقافيا ثم سياسيا لذلك فعلى الذين ينتظرون الشرق الأوسط الجديد من خلال خرائط جغرافية وحدود سياسية أن يغيروا بوصلة تفكيرهم نحو اتجاه جديد. لقد ولد الشرق الأوسط الجديد على اكتاف الثورات العربية عبر صعود الراديكالية الدينية التي احتلت الفراغ السياسي بدعم مباشر وغير مباشر من الداخل والخارج فقد كانت اللحظات الحاسمة في الانتخابات مشهدا يستحق التوقف فذات الشعوب التي كانت تمنح الدكتاتوريات السابقة فرصة الفوز أصبحت تعطي نفس الأصوات وبطرق سياسية جديدة تحت عناوين الديمقراطية والحرية لدكتاتوريات مؤدلجة. "من السذاجة بمكان أن نصدق أن الغرب الذي يدرك حقيقة صراع الايديولوجيات وعاش بنارها مئات السنين تحت سيطرة الكنيسة وجبروتها الى ان قرر الانتصار عليها" يعود ليمارس الغباء في منح أيديولوجيات فكرية وسياسية لها ذات المقومات وذات الأسس فرصة سياسية لتغيير افكارها لصالح منجيات غربية تتبنى العلمانية المطلقة. الغرب الداعم للديمقراطيات في انحاء العالم يدرك تماما أن الأيديولوجيات التي تعتنقها جماعات الإسلام السياسي يستحيل ان تجلب معها الديمقراطية او العدل فالتجربة التاريخية التي مر بها الغرب في صراعه الدموي مع المسيحية السياسية لم ولن يغيب عن اذهان حتى الأطفال في الغرب فما بالك بالسياسيين. لماذا يدعم الغرب الراديكاليات والإسلام السياسي تحت دعوى فرض الديمقراطية والعدل بينما هو يدرك أن فاقد الشيء لا يعطيه..؟ هذا السؤال حير الكثيرين ولكن للباحثين عن الشرق الأوسط الجديد هذه هي الحروف الأولى لتتبع ماهية الشرق الأوسط الجديد. لقد انطلق الصراع السياسي لترسيخ التقاسم الطائفي والمذهبي في دول الشرق الأوسط ففي مصر تم تصعيد الفكر الإخواني بشكل سياسي فخلق وبشكل تلقائي اول انقسام اجتماعي فأصبح الشرق الأوسط كله مستعداً لولادة الفرقة الفكرية والمذهبية والطائفية تحت غطاء سياسي وهذا يحدث للمرة الاولي في تاريخ الشرق الأوسط وأصبح كل فرد في الشرق الأوسط وخاصة من المسلمين مطالب بأن ينتمي الى طائفة او مذهب او منهج راديكالي. على مستوى المذاهب والعرقيات يحقق مسار الشرق الأوسط الجديد تقدما كبيرا وخاصة في سورية ولكن يجب ان نسأل وبشكل مباشر لماذا الثورات تختار تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن..؟ الإجابة طويلة ولكني سوف اختصرها بهذه الأفكار: تونس ومصر تتميزان بعمق تاريخي لوجود جماعات الإسلام السياسي التي تعرضت للكثير من القمع عبر تاريخيها لذلك ففي هذه الدول جاهزية عالية لجماعات الإسلام السياسي لاستثمار أي فراغ او تحول سياسي وهذا ما حدث. في اليمن وليبيا تشكيلات قبلية عالية الانتماء وتعتبر المحرك الرئيس لبناء أي اتجاه سياسي لذلك نجد أن الازمة الخفية وعدم الاستقرار المشاهد في هذه الدول تحركهما خلفيات عرقية وقبلية يضاف اليها بعض التحسينات الأيديولوجية والفكرية وإسلام سياسي لتغطية المشهد العرقي، والمتابع بدقة سوف يجد أن وراء معظم ما يحدث في هذين البلدين له ارتباط عرقي لذلك تنقسم ليبيا بحسب قبائلها وقواها العرقية وتسعى قبائل اليمن الى ما هو أبعد من ذلك (الانفصال). في سورية يدخل الطرف الأقوى حيث الصراع مذهبي ولكي يكون مشروع الشرق الأوسط الجديد مكتمل العناصر فالعالم يشهد تدخل إيران الراعي الرسمي لأحد المذاهب الإسلامية الكبرى، فإيران التي أعطيت الفرصة لكي تتوغل في هذا البلد حتى يصعب نزعها منه أصبحت جزءاً من علمية الثورة وجزءاً من عملية إيقاف الثورة وهذا ما يفسر صراع إيران وقوى أخرى من اجل ان تتواجد هذه الدولة في كل نقاشات الازمة السورية مع أن سورية بلد سني بالأغلبية. مقاومة مشروع الشرق الأوسط يفتح سؤال هذا المقالة من الذي خسر الشرق الأوسط ؟ هناك على الطرف الآخر دول تميزت بالاستقرار الاقتصادي والرفاهية المجتمعية حيث أصبحت هذه الدول قادرة على تحييد المنطلقات المذهبية والعرقية والطائفية بفعل ما يمنحه الاقتصاد لتلك الشعوب وهذه الدول لمواجهة حقيقية مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتبنى فرض الخارطة الطائفية والعرقية والراديكالية وصولا للخارطة الجغرافية لذلك فإني اعتقد أن الميزان الاقتصادي في هذه الدول سيكون عاملًا مهما في ثباتها المستقبلي امام التحولات في المنطقة ولكن الأهم هو فرض عملية سباق سياسي في إعادة بناء الخارطة الثقافية لتلك الشعوب، هذه الفكرة المطروحة لا تخص دولا بعينها ولكنها تخص كل الدول التي استطاعت الثبات خلال المرحلة الثورية التي مر بها العالم العربي. المستقبل في منطقة الشرق الأوسط كما يمكن قراءته عبر الاحداث سوف ينتج الكثير من المفاجآت السياسية والاقتصادية والفكرية فما تمر به المنطقة هو تحول...! سواء أكان هذا التحول مفروضا ام تلقائيا لذلك فإن التعامل مع هذا المستقبل يتطلب شروطا قاسية لابد وان تلتزم بها الشعوب والدول معا لمن أراد ان لا يكون ضمن دائرة الخاسرين في منطقة الشرق الأوسط...

مشاركة :