عقيدة أوباما في الشرق الأوسط يمكن قراءتها من خلال محاولة الرئيس الأميركي إعادة تعريف السياسة الأميركية من خلال نموذج يقوم على حلول طويلة الأجل لتحقيق مكاسب استراتيجية تنتج في النهاية مصالح أميركا التي تجد نفسها وحيدة في ميدان التوازن الدولي لا يمكن الشك بأن مرحلة أوباما كانت تحولاً محسوساً جعل جميع الشعوب العربية في الشرق الأوسط، ومعها إسرائيل تشعر بذلك التحول، وهذا في الحقيقة أثار التساؤل حول ماذا يريد أوباما من الشرق الأوسط..؟، وفي ذات الوقت لا يمكن التأكيد بأن أميركا قادرة على أن تترك الشرق الأوسط بشكل كلي، أمام هيمنة فردية قد تمارسها دولة مثل إيران، كما أن أميركا يستحيل عليها أن تجعل الشرق الأوسط منطقة مفتوحة لمنافسات التسلح النووي، وأخيراً فإن أي خلل في عملية نقل البترول من الشرق الأوسط سوف تكون كارثة دولية يصعب تفادي آثارها. في البداية لابد من الإجابة على سؤال مهم يقول: لماذا يفكر أوباما بهذه الطريقة تجاه الشرق الأوسط وهل كان ذلك يعكس وجهة نظره أم الاتجاهات الاستراتيجية الأميركية..؟، تاريخ أوباما وخبراته السياسية لا تعكس أبداً شخصية سياسية فذة كما رؤساء أميركا المؤثرين، بقدر ما تعكس اتجاهات رئيس (مفكر) كما يقول ذلك معظم الباحثين، فهو يؤمن بالحلول السلسة طويلة المدى للمشكلات الدولية، أكثر من كونه سياسياً، لذلك نجد أن هذا الارتباك السياسي في المنطقة يمثل أفكاراً وتنبؤات واستراتيجيات لم يتم اختبار إمكانية تطبيقها على الواقع، تعقيدات الشرق الأوسط أكبر من الاستيعاب في أحيان كثيرة، فعلى سبيل المثال لو أخذنا اتفاقية كامب ديفد تلك الاتفاقية التي لم تنتج مولود السلام كما هو متوقع بل ولدت (الإسلام السياسي) وظل هذا المولود يكبر يوماً بعد يوم لينشئ له إطاراً سياسياً نتج عنه كل الجماعات المتطرفة في المنطقة، وكانت كامب ديفيد هي من ساهم في إيقاظ الإسلام السياسي من سباته. الرئيس أوباما بنى عقيدته التي أيقظتها كما كل الأميركيين تلك الأحداث التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر وعندها أدرك الأميركيون أن سقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن نهاية المطاف الذي سوف يؤدي إلى تناسى الخوف الأميركي، فبعد أحداث سبتمبر قال جورج بوش الرئيس الأميركي آنذاك "نرفض أن نعيش في خوف" لقد أثار القلق كل الأميركيين ولم يكن البعد الذي حققته أميركا عن العالم واستفراداً بالسطلة الدولية كافياً لها بأن يقيها من الخوف. لقد كان ذات المولود الذي خرج من رحم كامب ديفيد هو ذاته الذي زرع الرعب في أميركا وأربكها إلى هذه اللحظة، فقد وصل الإرهاب إلى نيويورك ولا يهمني هنا كيف وصل المهم ماذا أنتج وصوله وكيف أثر على العالم..؟، لقد فتح هذا الوصول أبوابا كبرى للتفسيرات والبحث والاحتياط، إذاً أوباما لم يأتِ بعقيدة بعيدة عن هذه البيئة والظروف التي عاشتها أميركا بعد أحداث سبتمبر، القابلية للخطر سيطرت على السياسة الأميركية بشكل واضح وأصبحت معايير الخوف متحكم رئيس في منهجية السياسة الأميركية. تبنى الرئيس أوباما فكرة دولية لمحاولة إعادة تعريف الدور الأميركي العالمي وكانت أكثر المناطق تأثراً بهذا النهج هي الشرق الأوسط، وتسرب الحديث عن رغبة أميركية عميقة للتحول نحو آسيا حيث تريد أميركا أن تكون أكثر قرباً من منافسها الدولي القادم (الصين)، تاريخياً تضمنت السياسة الأميركية مهام راسخة في الشرق الأوسط خلال الأربعة عقود الماضية هذه المهام قسمت بين ثلاثة مكونات (دعم دولة إسرائيل، توفير الأمن لصادرات البترول، استقرار دول الشرق الأوسط) ولأن هذه المكونات لازالت مهمة فلن تتغير الكثير من قواعد الاهتمام بهذه العناصر من قبل أميركا في الشرق الأوسط على الأقل خلال هذا القرن. الصورة النمطية للشرق الأوسط تغيرت بشكل جذري بعد أحداث الربيع العربي، وسقوط الكثير من الأسس السياسية التي كانت تتحكم في هذه المنطقة، ولعل الثورة السورية قدمت نموذجاً مهماً للتحولات الجذرية في المنطقة وخاصة أن أميركا لم تكن جادة في أن تجبر روسيا وإيران أن تدفعا ثمن تدخلهما في سورية كما يشير أحد الباحثين. إذاً عقيدة أوباما في الشرق الأوسط يمكن قراءتها من خلال محاولة الرئيس الأميركي إعادة تعريف السياسة الأميركية من خلال نموذج يقوم على حلول طويلة الأجل لتحقيق مكاسب استراتيجية تنتج في النهاية مصالح أميركا التي تجد نفسها وحيدة في ميدان التوازن الدولي. الرئيس أوباما يؤمن بفكرة إعادة بناء العقد الاجتماعي بين الدول وشعوبها في منطقة الشرق الأوسط وتضغط عقيدته السياسية في هذا الجانب بشكل كبير وخاصة عندما نستعرض خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة في عام 2009م، وكان ذلك قبل عام تقريباً من انطلاق الثورات العربية، خطاب أوباما في ذلك الوقت كان انعكاساً للمنهجية الفكرية التي كان أوباما يعتقد أنها الأنجح في منطقة الشرق الأوسط ولكن تجربة الربيع العربي كشفت مالم يكن متوقعاً، فظل أوباما مرتبكاً وظلت السياسة الأميركية غير قادرة على أن تضع خطوطها الحمراء في مسار التطبيق، فهل كان لاهتزاز هذه الصورة أثر في تحول سورية إلى منطقة مضطربة معقدة لا يمكن التعامل معها سياسياً كما يبدو اليوم حيث يحاول العsالم كله أن يجد مخرجاً لهذه الأزمة ولكنه لازال عاجزاً وسوف يستمر. عندما يجتمع أوباما مع القادة الخليجيين خلال الأيام القادمة سوف يدرك أن سياسته كانت بحاجة إلى نصيحة الأصدقاء الخليجيين وسوف يدرك أن العقيدة الوحيدة للتعامل مع هذه المنطقة لا تقوم على إتاحة الفرصة للصراعات الطائفية بأن يكون عنواناً تتبناه السياسة الدولية، أميركا ومن بعد الحرب العالمية الثانية ظلت تتعامل مع المنطقة وفق قواعد يصعب الإخلال بها بين عشية وضحاها، فالمنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات والشعوب بطبيعتها لازالت غير قادرة على فهم حقيقة هذه النتائج التي تحصل في المنطقة وتوجيه المنطقة وفقاً لعقيدة أوباما نحو منح إيران مزيداً من الوقت للحصول على السلاح النووي سوف يضر بالمنطقة التي ليست بحاجة إلى مزيد من التكتلات القومية والدينية التي قد يؤدي صعودها إلى مواجهات فعلية يصعب السيطرة عليها. hussah111@gmail.com
مشاركة :