فلول البشير يؤججون الصراعات القبلية لاستنزاف السلطة الانتقالية

  • 5/14/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

اتسعت رقعة الاشتباكات القبلية التي تشهدها مناطق سودانية متفرقة، وسط تصاعد الاتهامات الموجهة إلى أنصار الرئيس السابق عمر البشير بتورطهم في تأجيج الصراعات في أكثر من ولاية، حيث جاء التصعيد في وقت متزامن تقريبا، وحضر فيه منتمون إلى حزب المؤتمر الوطني المنحل، من الذين استغلوا الحالة الأمنية الرخوة في بعض المناطق. وفرضت ولاية جنوب كردفان (شمال)، حظرا شاملا للتجوال لمدة ثلاثة أيام، بدءا من الثلاثاء، وينتهي الخميس، عقب وقوع اشتباكات في عاصمتها كادقلي، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، بعد أيام من توتر بين مجموعتين أهليتين إثر اتهامات متبادلة بسرقة ماشية. وأشار الأمين العام لحكومة الولاية، موسى جبر محمود، إلى أن ما وقع من اشتباكات في سوق كادقلي وبعض الأحياء، نفذته مجموعة خارجة عن القانون، ولا يعدو إلا كونه “انفلاتات فردية ليس لها طابع إثني أو قبلي”، وهو ما يدفع إلى تنبي فرضية تورط النظام البائد في إشعال الأوضاع بالولاية التي شهدت هدوءا طيلة الأشهر الماضية. جاءت هذه الأحداث بعد مضي أيام من اندلاع مواجهات عنيفة مماثلة بين مكونات أهلية في ولايتي جنوب دارفور غرب السودان، وولاية كسلا شرقي البلاد، ما أدى إلى مصرع أكثر من 33 شخصا وإصابة مئات. وحذر حزب المؤتمر السوداني، أحد القوى الفاعلة في تحالف قوى الحرية والتغيير، عناصر النظام السابق من “التمادي في هذا المخطط الذي لن يعيدهم إلى السلطة، وأن الشعب طوى صفحة حكم البشير البغيض بغير رجعة”، مشددا على ضرورة محاسبة المتورطين في هذه الجرائم والإسراع في إعادة هيكلة وإصلاح الجهاز الأمني في البلاد. وقال رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس يحيى، لـ”العرب”، إن الاشتباكات التي اندلعت في أكثر من ولاية تقف خلفها دوافع سياسية، ولا تحمل جذورا قبلية مباشرة، والقوى التابعة لعناصر النظام البائد ليس من مصلحتها نجاح التحول الديمقراطي في البلاد، لذلك تشهر سلاح الاشتباكات القبلية في وجه قوى الثورة لإرباكها وإعادتها خطوات إلى الوراء. وأضاف، أن توصل الجبهة الثورية، التي تضم في عضويتها حركات مسلحة وقوى سياسية مختلفة، إلى اتفاق مع السلطة الانتقالية على تسليم المتورطين في جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية ضاعف من حجم المؤامرات التي يتورط فيها بعض المتهمين في مناطق الهامش، والهدف الأساسي من إشعال الأمور يكمن في إفشال عملية السلام برمتها. وحملت الجبهة الحكومة المركزية جزءا من تمدد الاشتباكات في أكثر من منطقة، وأرجعتها إلى عدم التعامل الحاسم مع التجاوزات السابقة وغياب فرض هيبة الدولة في مناطق النزاعات، وعدم تقديم المتورطين إلى محاكمات، واكتفاء الحكومة بجلسات صلح ثبت عدم جدواها في ظل هشاشة الوضع الحالي. وتخشى الحركات المسلحة التي انخرطت في مفاوضات مع الخرطوم منذ ثمانية أشهر من أن يؤدى توسع رقعة الاشتباكات إلى إفشال الجهود الجارية، ودخول قوى جديدة تطالب بتعديلات جذرية على ما جرى التوافق عليه من ملفات، وهو ما حدث في مسار الشرق بعد أن شكك نائب رئيس مؤتمر البجا – القيادة الشرعية، مأمون باركوين، في شرعية اتفاق مسار الشرق وطالب بإلغائه. وتدرك قوى سياسية وحركات مسلحة منضوية تحت لواء الجبهة الثورية أن استمرار الاشتباكات واتساعها سوف يؤدي إلى انهيار الدولة السودانية التي لن يكون بإمكانها ملاحقة الصراعات بعد أن طالت مناطق طرفية في الشمال والشرق والغرب. وتنشط فلول النظام السابق في مناطق الهامش والأماكن التي تشهد انفلاتات أمنية منذ الإطاحة بالبشير قبل أكثر من عام، واستطاعت اللعب على أوتار المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها سكان الهامش الذين تعرضوا للنزوح على إثر اشتباكات عنيفة وقعت السنوات الماضية بين حركات مسلحة والقوات النظامية. ويرى مراقبون أن الكثير من العناصر المحسوبة على النظام السابق استطاعت أن تشكل قاعدة لها في هذه المناطق، مكنتها من إشعال حرائق إذا اقتضت الضرورة ذلك، ولعل نشوب العديد من الاشتباكات القبلية في توقيتات مرتبطة بإنهاء ملفات مسارات التفاوض، وتحديدا في ما يتعلق بمساري دارفور والشرق يمثل دليلا على ذلك. واندلع نزاع قبلي بين منتسبين إلى قبيلتي “الهدندوة والبني عامر”، بمدينة بورتسودان (شرق) في نوفمبر الماضي، أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 24 آخرين في اشتباكات وقعت أثناء لقاء جماهيري لاستقبال نائب رئيس الجبهة الثورية، رئيس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، الأمين داود، وجاءت قبل أيام قليلة من بدء التفاوض حول مسار الشرق. وتكرر الأمر ذاته في مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، مطلع يناير الماضي، بعد أن نشبت أعمال عنف بين قبيلتي “المساليت” و“العرب”، وأسفرت عن مقتل 41 شخصا، وترتب عليها تعليق مفاوضات السلام وتهديد الجبهة الثورية بالانسحاب منها، ما اضطر رئيس الحكومة عبدالله حمدوك إلى زيارة المدينة في محاولة لوأد النزاع. وأكدت الباحثة السياسية، إيمان عثمان، أن ما تشهده بعض ولايات الهامش ليس له علاقة بالتعقيدات القبلية المعروفة، وأن عناصر النظام البائد الذين نسجوا علاقات مع قوى إقليمية لها حضور في دارفور استغلت انشغال الحركات المسلحة بالعملية التفاوضية لتأجيج الصراعات بين المواطنين الذين وصل إليهم السلاح بطرق سرية. وأضافت لـ“العرب”، أن هناك قوى تملك السلاح في مناطق الهامش خرجت بالأساس من رحم النظام البائد، وتقوم حاليا بإشعال الصراعات كجزء من استراتيجيات متعددة لإفشال السلطة الانتقالية وإرباكها على أكثر من جبهة، في ظل صعوبات اجتماعية واقتصادية وأمنية فاقمها انتشار فايروس كورونا. وشددت عثمان، على ضرورة تدخل الحكومة بطرق فاعلة أكثر من التي تنتهجها حاليا وعدم التعويل فقط على الحلول الأمنية، وتثبيت ثقافة السلام في مناطق الهامش والأطراف.

مشاركة :