للسن أحكام، ثمة عمر إذا ما بلغته يجيز لك التباس الأشياء، والأسماء، في رواية حقيقية اشتكت مسنة لأبنائها من إزالة جهاز التنصت عنها ثم اتضح أنها تقصد جهاز التنفس، تذكروا المبالغة الجدل حول أحد المسلسلات قبل أيام حول التباس على فنانة تؤدي دور امرأة كبيرة في السن في عصر يسبق تعليم البنات، الجدل نفسه تكرر حين التبس اسم النقاب بالقناع في لقاء السيدة الفاضلة لولوة القطامي لدى تدارك المذيع بتوضيح مقصدها وأيدته بأنه النقاب لا القناع كما ورد على لسانها واستنكره المستنكرون الذين استنكر استنكارهم... أليس لديهم جدات؟دعنا من الأسماء والمسميات ولنترك الفعل والتفاعل ولنركز على رد الفعل تجاه انفعالها: فالسيدة الفاضلة رأت المشهد كئيباً، والاكتئاب سلوك لا إرادي، لا موقفاً يتخذه الإنسان مع سبق الإصرار والترصد، لا يوجد إنسان سوي أو غير سوي حتى يتخذ قرارا أن يُكئب حاله، وأبسط تشبيه ما قاله طبيب نفسي: حال مريض الربو هل قرر أن يكح مثلاً؟واكتمل جدل الأسماء والانفعالات بجدل المواقف: موقفها من اكتئابها (لاحظوا أنها لم تتخذ موقفاً من النقاب نفسه) الذي تسبب به النقاب (الذي يرتديه غيرها ولم ترتديه لتخلعه ولندافع عن حقها في ذلك)، بل قدمت استقالتها كي لا تضطر إلى مشاهدة ما يبعث فيها الكآبة، لم تحتمل المشهد فاستقالت، وهو حقها الذي لم تتعد من خلاله على حق أحد، (باختصار كيفها)، احترمت من خلاله حق الأخريات في ارتداء النقاب، ولم يحترم أحد قدرتها على الاحتمال، وموقفها تماماً مثل موقف سيدة ذهبت إلى العمل فوجدت نفسها المرأة الوحيدة بين الرجال في تلك الوظيفة، التي شعرت فيها بالاكتئاب لعدم وجود زميلة امرأة (ونس)، فقررت الاستقالة هل من حق زملائها الرجال الغضب واعتبار استقالتها مساساً بهم؟هي تكلمت عن نفسها ومشاعرها ولم تمس أحداً ولم تتعرض للمنقبات بمدح أو ذم، ولم تربط جوهرا بمظهر، ومع ذلك استنكرنا كلامها ولم نستنكر الأفعال التي تصنف الفضيلة والرذيلة بطول الثياب أو قصره، النقاب قناعة، والسفور قناعة، والثياب عموماً حرية وذوق شخصي، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، والسلع يمكن أن تكون نقاباً أسود أو فساتين ملونة، ثمة من يرى السواد لوناً للفرح (وتحديداً عند المشيب)، أو كحال أمل دنقل الذي يرى السواد لون التميمة من الموت إذ يرى البياض لون الموت والكفن، في المقابل هناك من يبعث مشهد السواد (حين يراه لا حين يرتديه)، فيه الكآبة فهل نستكثر على الناس حقها في الاكتئاب؟
مشاركة :