المُنتقبة دائماً ما تكون مرتكز اهتمام، ومحط نظر داخل دائرة المجتمع التي تقع فيها بشكل أكبر عن غيرها من النساء؛ إذ هي من اختارت الإقدام عليه والتمسك به فهو ليس مجرد ثياب كغيره، إنما هو الصورة الأكثر حيطة للمرأة في الإسلام، ونُنوه بأن حديثنا ليس فقهياً بالمرة فمسألة النقاب خِلافية بين العلماء، منهم مَن قال بوجوبه ومنهم من قال باستحبابه فالأمر إلى سعة، وإنما سيكون حديثنا عن المُنتقِبة والمجتمع والظواهر المُستجلبة حديثاً، نناقش ما آل إليه الواقع بحيادية تامة، وبعين التقويم والترميم. 1. المُنتقبة وصراع المُجتمع يتعامل المجتمع -بشكل عام- مع المُنتقبة تعاملات مُختلفة تعود إلى مرجعية الرأي والفكر، وأكثرها شيوعاً أن تتوج المُنتقبة بمكارم الصفات، القدوة، والانضباط المُجتمعي، والالتزام الديني، والثقافة على اتساعها، وعدم الوقوع في الخطأ وهو رأي غير رشيد بالمرة؛ إذ يرتفع عليه سقف التوقعات تُجاه المُنتقبة، الأمر الذي يجعلها مِعولاً رئيسياً داخل المجتمع ولا يقبله أفراده إن أخطأ كأي إنسان. ومِنها أيضاً أن تُقابل المُنتقبة بمحاولات فاشلة من بعض الفئات العنصرية -التي يأكل صدرها الحقد والكره على الدين- لتهميشها وجعلها خياراً غير رئيسي أو مستبعداً في مجال العمل، أو أن تُقابل بالمغريات الدنيوية، فتُعقد المقارنات غير العادلة بينها وبين الأخريات؛ لتنفيرها منه وتركه. ومن أكثر صراعات المُنتقبة غرابة داخل المجتمع، ما تلاقيه من مضايقات في الشارع اليومي، كأن يعترضها أحد أشباه الرجال بكلمة في غير محلها، ثم إن أرادت أن ترد هذا أو ذاك عن نفسها، هُوجمت بنبرة (كيف تُدافعين عن نفسك وأنت المُلتزمة، أكملي طريقكِ ولا تلتفتي). تلك بعض من الصراعات التي لا تتوقف المُنتقبة عن خوضها كل يوم -بل كل ساعة- في واقعنا المَعيش على النحو العام. لكن دعونا نتعمق في معطيات الموقف، وننسل فيما آل إليه حال الكثيرات من المُنتقبات. 2. المُنتقبة والواقع إن أكثر الظواهر سوءاً بين المُنتقبات هذه الأيام، النظرة التي تطلقها الواحدة منهن على غيرها ممن لم يلتحقوا بركاب النقاب؛ فيرين أنهن أصحاب أفضال وكرامات على غيرهن لمجرد ارتدائهن له، يعتقدن أن ذلك يعطيهن الأحقية بالفوز بلقب المُلتزمات، والأخوات، بل الأكثر سوءاً ما يكتبهن بنبرة تنم عن احتكارهن للأخلاق، والعِفة، والدين واختزال كل هذه المعاني في ذواتهن فقط لا لشيء إلا لأنهن ارتدين النّقاب. والعجب العُجاب أن أكثر اللاتي يفعلن هذا هن أنفسهن من يسِئن التصرف باسم النقاب والدين بأفعال لا أصل لها ولا صحة، فلا بد أن تفهمي كون صورة المُنتقبة والمُلتحي التي تعجبكِ كل الإعجاب وتُلمّحين بها كل فترة على فيسبوك، ليست من الدين في شيء، ولستِ بذلك تنالين الأخلاق أعظمها. إنما هي ابتداعات مثلها كغيرها من أفعال من تنقمين عليهن عدم ارتدائهن للنقاب، فأنتنّ سواسية! وفئة أخرى انضمت للمُنتقبات حباً في الثناء عليها والظهور به، بالطبع لست ممن يقرأون النوايا، ولكنّ الأفعال تنوب عن نوايا صاحبها، فكيف أن هناك من لا تعرف عن النّقاب إلا أنه النوع الأغلى والمظهر الأجمل، وطوق الورد الموضوع على الرأس، والصور المُلتقطة في ضوء الشمس الذي يُلفت العين على عِلتها جمالاً ووضوحاً! يتحول النِّقاب في هذا الوضع إلى قناع؛ لأنه مُجرد من معاني الإسلام؛ إذ المُنتقبة استقبلت الشق الظاهري له على المعنى الضمني، والغاية، وإن كان الوضع يقتدي نصيحة، فهي الرجوع للنفس وتمحيص نيتها على الحق لا على رأي الناس. 3. المُنتقبة وما ينبغي المُنتقبة بحق أُمّة كاملة، قادرة على تمثيل صورة الإسلام السمحة، تنظر لأفعالها وتتعقلها قبل حدوثها، وإلى كلماتها فتتذوقها قبل نُطقها، لينة الحديث مع غيرها، تدعو بالكلمة الطيبة إليه، تشرح الغاية منه، لا ترى لنفسها فضلاً على غيرها من غير المُنتقبات؛ فالله لا ينظر إلى صورة الإنسان وإنما ينظر إلى قلبه، هنا يُصبح النقاب قناعة ذاتية منشأها التقرب إلى الله ونيل رضاه. ولكن لا بد ألا ننسى كون المُنتقبة إنسانة، تصيب وتخطئ، وأن خطأ الواحدة منهن لا يمثل المُنتقبات كلهن، وأنهنّ جزء رئيسي من المجتمع لا يمكن تهميشه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :