كشفت دراسة أمريكية حديثة عن أن إصابة الأم بمرض السكري في بداية الحمل يزيد من فرص إنجاب طفل يعاني التوحد. وسكري الحمل هو الحالة التي يضعف بموجبها تحمّل الأم للجلوكوز مع بداية الحمل أو خلاله. ووجد الباحثون في الدراسة التي نشرت في مجلة جاما أن مخاطر إصابة الأجنة بمرض التوحد كانت في أعلى مستوياتها عند إصابة الأم بالسكري خلال فترة نمو المخ للجنين. أوضح الباحثون أن ارتفاع مستويات السكر في الدم لدى الأم يعطل نمو دماغ الجنين، وخصوصاً في مناطق الدماغ المهمة المختصة بالاتصال والسلوك الاجتماعي. وقال الدكتور إدوارد كاري، المتخصص في التعليم والسلوك في فونتانا كاليفورنيا، إن السكري يمنع الجسم من صنع أو استخدام الأنسولين بشكل صحيح، وهذا يسبب تراكم السكر في الدم. وأضاف كاري أن السكري الذي يتطور أثناء الحمل، يضع النساء الحوامل في خطر أعلى للإصابة بمرض السكري العادي في المستقبل، ويمكن أن يتسبب بارتفاع نسبة الولادة المبكرة أو ارتفاع خطر إصابة الجنين بمرض السكري في وقت لاحق من الحياة. وكانت دراسات سابقة قد رصدت بعض المخاطر الصحية التي يتعرّض لها أطفال الأمهات المصابات بسكري الحمل، ومنها زيادة وزن الطفل عند الولادة، وانخفاض مستويات السكر في دم الطفل عند الولادة، وزيادة مخاطر إصابة المولود بمشكلة عدم تحمل الجلوكوز. وأشارت دراسات أخرى إلى أنه على المدى الطويل قد يتعرّض أطفال الأمهات المصابات بسكري الحمل إلى البدانة، واضطرابات التمثيل الغذائي في المستقبل. وقد اعتمدت الدراسة الحديثة التي أظهرت وجود أدلة على ارتباط سكري الحمل مع ارتفاع خطر الإصابة باضطرابات التوحد، على تحليل البيانات الصحية لـ 322323 طفلاً ولدوا بين عامي 1995 و2005 ، تتبعت الدراسة كل البيانات الصحية الخاصة بالأطفال منذ الحمل وحتى تشخيص مرض التوحد لدى 3388 منهم. ولاحظ الباحثون أن 25 في المئة من الأطفال المصابين بالتوحد تعرّضوا لمستويات عالية من السكري سواء في بداية الحمل أو خلاله. وأشار الباحثون إلى أن الرضع، الذين تعرضوا لسكري الحمل في الأسبوع 26 من الحمل، أظهروا زيادة بنسبة 42 في المئة بالنسبة لخطر الإصابة بدرجة ما من التوحد، مقارنة مع الأطفال الذين لم يتعرضوا لسكري الحمل. وقالوا إن هذه النتيجة بقيت قائمة حتى بعد الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى يمكن أن تؤثر في المخاطر، مثل عمر الأم والتعليم والوزن. كما بينت الدراسة التي أجريت بإشراف البروفيسورة آني شيانغ من جامعة ساوث كاليفورنيا، وجود ارتباط بين خطر التوحد أيضاً وتدخين الأم قبل الحمل، وارتفاع مؤشر كتلة الجسم لديها، وهو قياس نسبة الوزن إلى الطول. واقترح الباحثون تفسيراً لسبب ارتباط سكري الحمل بالتوحد يربط بين ارتفاع نسبة السكر في الدم وبين انخفاض تركيز الأكسجين، وزيادة الإجهاد التأكسدي في أنسجة المشيمة، ما يؤدي إلى تغيرات جينية لدى الجنين والتهاب مزمن. وقالت البروفيسورة شيانغ إن اضطراب سكري الحمل ارتبط في هذه الدراسة بحدوث زيادة متوسطة في خطر طيف اضطراب التوحد، لكن هذه الدراسة كما قالت، هي دراسة قائمة على الملاحظة، ولا يمكن أن تثبت علاقة تأثير ونتيجة مباشرة بين سكري الحمل (الذي يصيب زهاء 9 في المئة من النساء الحوامل في الولايات المتحدة) والتوحد. وأوضحت شيانغ لتأكيد هذا الأمر، لوحظ أن زيادة خطر التوحد بسبب سكري الحمل المبكر ظهرت في سبع حالات إضافية لكل 1000 حمل، وهي نسبة تزيد على ما يشاهد في حالات الحمل التي لا تنطوي على السكري. ولكن الدراسة وجدت أنه ليس هناك ارتباط بين زيادة خطر التوحد ومرض السكري من النوع 2 المشخص قبل الحمل. ومن جانبه قال الدكتور أندرو أديسمان، رئيس طب الأطفال النمائي والسلوكي في مركز طب الأطفال في نيويورك في نيو هايد بارك: على الرغم من أن هذه الدراسة تشير إلى أن حدوث سكري الحمل، خلال الأشهر الثلاثة الأولى أو الثانية من الحمل، يضع الجنين في خطر متزايد بالنسبة لطيف اضطراب التوحد، لكن درجة هذا الخطر صغيرة نسبياً إن وجدت أصلاً. وأضاف: على الرغم من أن الباحثين حريصون على التعرف إلى ما أمكن من عوامل الخطر المتعددة لمرض التوحد، لكن الواقع هو أن هناك العديد من حالات التعرض الصحية وعوامل الخطر المختلفة جرى ربطها بطيف اضطرابات التوحد. وقالت شيانغ: لقد أشارت دراسات سابقة إلى نتائج متضاربة بشأن ما إذا كان سكري الحمل يزيد من خطر حدوث اضطراب نمائي في الذرية. ويعاني الأطفال المصابون بطيف اضطراب التوحد صعوبة في التفاعل الاجتماعي والتواصل عادة. وتكهنت شيانغ بأن الارتباط الذي شوهد بالنسبة لسكري الحمل، وليس السكري من النوع 2 المشخص سابقاً، يعود إلى أن الأمهات اللواتي يعانين مرض السكري من النوع 2 ربما كان مستوى السكر في الدم لديهن تحت سيطرة أفضل. ومع أن شيانغ لم تفسر الآلية التي تقف وراء هذا الارتباط بشكل مؤكد، إلا أنها قالت إن مستويات السكر المرتفعة في الدم، التي أسهمت في سكري الحمل، يمكن أن تعيق النماء الطبيعي للدماغ في فترة زمنية حاسمة. وقالت شيانغ: لذلك، يجب على الأمهات قياس نسبة السكر في الدم في وقت مبكر من الحمل. وقال الباحثون قد يكون هناك ما يبرر إجراء التحري المبكر عن مرض التوحد لدى الأطفال الذين يولدون لأمهات مصابات بسكري الحمل. وأضافت شيانغ قائلة: أعتقد أن هذه التوصية قد تكون سابقة لأوانها قليلاً. ومع ذلك، ينبغي على الآباء أن يتشاركوا مع طبيب الأطفال دائماً أية مخاوف لديهم حول نمو الطفل.
مشاركة :