إنّ اللغة المتموّجة في السرديّة التعبيرية قد منحت شاعرها مساحة كبيرة لتوظيف الخيال والمجاز وطرحهما بصورة واقعية مألوفة، فنحن نعلم بأنّ هناك لا ألفة بين المجاز وذهن القارىء، وكلّما تعالى المجاز أتّسعت اللاألفة وجعلت القارىء ينفر ويبتعد، لهذا فنحن نجد بأنَّ السردية التعبيريّة وعن طريق اللغة المتموّجة قد خلقت ومدّت جسوراً ما بين ذهني المتلقي ومجازاتها، أي أنّها تستطيع أن تطرح مجازاتها اللغوية والخياليّة بصورة واقعية محببّة، وبالتالي تستطيع أن تخلق حالة من الألفة للاألفة ، ليصبح الخيال واقعاً قريباً من ذهن المتلقي عن طريق لبسه ثوب الواقعية والحقيقية. إنّ اللغة المتموّجة في السرديّة التعبيريّة تتناوب ما بين مفردات وتراكيب لغوية توصيلية، وأخرى مجازيّة انزياحيّة، وهذه الميزة لا تتوفر في القصصية السردية ولا في الشعرية التصويرية، فالأولى تعتمد على السرد والتوصيل وتخفّض من المجازية، بينما الثانية تعتمد على المجاز المتعالي وتخفّض من السرد. في السردية التعبيرية نجد المجاز العالي والخيال الخصب المتنامي والتداولية والتوصيلية، حيث يجتمع الاثنان لتكوين لغة قوية تنفذ إلى أعماق الذات، وفي نفس الوقت تحافظ على فنيتها العالية، فهي "السردية التعبيرية" تجمع الاأفة واللاألفة، أي تخضع المجاز والخيال إلى الواقعية المحببة والقريبة والحقيقية، فهي قادرة على أن تجعل غير المالوف مألوفاً، والبعيد عن ذهنية المتلقي تجعله قريباً وواقعياً . وهنا سنتطرق إلى نموذج في كيفية تدجين ووقعنة الخيال المجازي . "أتيت ولكن.." للشاعرة ظمياء ملكشاهي نجد اللغة المتموّجة واضحة في نسيج الشاعرة الشعري تتناوب ما بين القرب والابتعاد، والتوصيلية والجازية العالية، وبين الألفة واللألفة، فمثلا في هذا المقطع: "كان انتظارك يشبه شهقة الفرح الموصولة بالآه حتى تجسدت كضيف يحمل بشائر الخلاص". نجد أن هذا المقطع كُتب بطريقة إبداعية متميّزة، لغة تتماوج ما بين مفردة وأخرى "كان انتظارك" هنا نجد اللغة التوصيلية المباشرة، لكنها سرعان ما تنحرف انحرافاً عظيماً عن طريق هذا المقطع "يشبه شهقة الفرح الموصولة بالآه" لغة أنزيايحّة، ثم نجد "حتى تجسّدت كضيف" والحديث عن شهر رمضان المبارك. لغة توصيلية، لتأتي بعدها دفقة انزياحيّة أخرى: "يحمل بشائر الخلاص". إنّ اللغة المتموّجة في هذا النصّ جاءت على شكل موجات متتابعة يكمل بعضها البعض ويجعل من النسيج الشعري أكثر تماسكاً، ففي هذا المقطع: "تسور حولك الآملين فرشوا أعتابهم بالرمل احتفاءً بمقدمك الميمون يرتدون كماماتهم الملونة ويغطون أكفهم بالأيدي الزائفة". نجد الفنية العالية التي امتاز بها النصّ وقوة تأثيره عن طريق لغة تعبيرية عظيمة قوية تنفذ إلى روح المتلقي، لغة تتماوج في فقراتها النصيّة "تسور حولك الآملين" هنا لا نحتاج إلى الكثير من الوقوف والتمعن في هذا المقطع، ولكن حينما يأتي بعده المقطع "فرشوا أعتابهم بالرمل" هنا سوف نتوقف ونتمعن كثيرا ، حيث المجازية العالية والخيال واللاواقعية، نلاحظ هنا الموجات المتصاعدة والمتناوبة في هذا المقطع الرائع جدا، حيث نكمل بـ "احتفاءً بمقدمك الميمون يرتدون كماماتهم الملونة" موجة توصيلية، لتتبعها موجة انزياحية مبهرة / ويغطون أكفهم بالأيدي الزائفة. نلاحظ هنا كيف سخّرت الشاعرة الخيال لديها وأصبغته صبغة الواقعية المألوفة. ثم نقرأ للشاعرة: "لكننا أحتفينا بك وانتظرناك" نجد هنا موجة توصيلية تتبعها موجة إنزياحية "ونحن نتلوك صلاة" ثم تأتي موجة توصيلية أخرى "كنت ساطعا وهبتنا الدفء" ثم موجة انزياحية أخرى "وكان وجهك الباسم رديف الصلاة رمضاننا الذي أتى ولكن". إنّ اللغة في السرديّة التعبيرية المتموّجة في هذا النصّ امتلكت من الطاقات الشيء الكثير، مما جعلها لغة حيّة تنبض بالدفء والجمال والدهشة والإبداع الجميل، مما أضفى على النصّ زخماً جمالياً وحضوراً مشعّاً وأستمراية. لقد حقّقت اللغة هنا تجلّيات عالية في التموّج، واستطاعت أن تخضع الخيال المجازي ووقعنته، فكانت تنفذ مؤثّرة في أعماق المتلقي دون عناء ومشقة . النصّ: "كان انتظارك يشبه شهقة الفرح الموصولة بالآه حتى تجسدت كضيف يحمل بشائر الخلاص، تسور حولك الآملين فرشوا أعتابهم بالرمل احتفاء بمقدمك الميمون، يرتدون كماماتهم الملونة ويغطون أكفهم بالأيدي الزائفة، لكننا احتفينا بك وانتظرناك، ونحن نتلوك صلاة، كنت ساطعا وهبتنا الدفء وكان وجهك الباسم رديف الصلاة رمضاننا الذي أتى ولكن".
مشاركة :