اعتدنا على ترديد موروثاتنا اللّغوية بدون تردُّد وحتى الفعليّة منها، ولو أنّنا نتردّد لكان الحال غير الحال. سيكتب معظم الكتّاب اليوم عن تفجيرات داعش وعن الطائفيّة والأجندة الإيرانيّة، وسأكتب عن الخير والطّير، وسيقول البعض بدون تردُّد: خالف تعرف، وسيقول آخرون: أخيرا شيء مختلف، و سيقول ربما أعلاهم صوتا: مو وقته، لكل مقام مقال! وسأقول أنا: إذا أنت أمير وأنا أمير من يقود الحمير.. الإختلاف مطلوب! كم مرّة ردّدت المثل الموروث “لو فيه خير ما رماه الطِّير”؟ وكم مرّة سمعت غيرك يردِّده؟ هل فكّرت يوما في كميّة الظُّلم التي يحملها هذا المثل بين طيّاته؟ طبعا القصّة المتداولة حول منبع هذا المثل هي أن الطّير يقصد به الباز أو الصّقر المتسلّط على سائر الطيور والذي مازال شيوخ الصّحراء العربية يدرّبونه ويستعملونه لإصطياد أبناء جنسه، فالطّير بهذا الوصف يصطاد جميع أنواع الطيور و يأتي بها الى صاحبه، ما عدا البومة التي ما أن يقبض عليها حتى يشتمّ رائحتها الكريهة فيقتلها ويرميها ولا يعود بها الى صاحبه، ولذلك قالوا عن البومة “لو كان فيها خير ما رماها الطير”. هل لاحظت أن الطير الخسيس لا يكتفي برمي البومة المستضعفة، بل يقتلها قبل ذلك؟ أنا شخصيّا لاحظت أنها مسكينة ومكسورة الجناح ومغلوبة على أمرها وفوق كل ذلك، بأي ذنب قتلت؟ بنتانة رائحتها قتلها الطيّر الذي يستحم كل صباح ويتعطّر! ثم تكون خلاصة قصّة البومة المغبونة أنها تستحق الموت والرمي لأنها “ما فيها خير”، والطير القاتل الرّامي “فيه الخير”. أعتذر لجميع المطلّقات اللواتي أطلق عليهنّ هذا المثل، ولجميع العاملات والعاملين وكل من حرم من فرصة ثانية بسبب هذا الموروث الظالم. ردَّدوا على أسماعي هذا المثل في عاملة منزليّة تنازل عنها موظِّفها، لكنّني منحتها فرصة فتمنّيت لو أنّها وصلتني من سنين، لأنه ببساطة ليس كل ما يرميه الطير لا خير فيه، وإنّما “بعض الطير مافيه خير..!”. @tamadoralyami alyamit@gmail.com
مشاركة :