اعتدنا على ترديد موروثاتنا اللّغوية بدون تردُّد وحتى الفعليّة منها، ولو أنّنا نتردّد لكان الحال غير الحال. كم مرّة ردّدت المثل الموروث “لو فيه خير ما رماه الطِّير” وكم مرّة سمعت غيرك يردِّده وأيدته بدون تردد أو تفكير. هل خطر ببالك يوما كميّة الظُّلم التي يحملها هذا المثل بين طيّاته؟ طبعا القصّة المتداولة حول منبع هذا المثل هي أن الطّير يقصد به الباز أو الصّقر المتسلّط على سائر الطيور والذي مازال شيوخ الصّحراء العربية يدرّبونه ويستعملونه لاصطياد أبناء جنسه، فالطّير بهذا الوصف يصطاد جميع أنواع الطيور و يأتي بها الى صاحبه، ما عدا البومة التي ما أن يقبض عليها حتى يشتمّ رائحتها الكريهة فيقتلها ويرميها ولا يعود بها إلى صاحبه، ولذلك قالوا عن البومة “لو كان فيها خير ما رماها الطير”. هل لاحظت أن الطير الخسيس لا يكتفي برمي البومة المستضعفة، بل يقتلها قبل ذلك؟ بومة مسالمة، مسكينة، مكسورة الجناح ومغلوبة على أمرها وفوق كل ذلك، بأي ذنب قتلت؟ بنتانة رائحتها قتلها الطيّر الذي يفترض أنه يستحم كل صباح ويتعطّر! ثم تكون خلاصة قصّة البومة المغبونة أنها تستحق الموت والرمي لأنها “ما فيها خير”، والطير القاتل الرّامي “فيه الخير”. أعتذر لجميع المطلّقات اللواتي أطلق عليهنّ هذا المثل، ولجميع العاملات والعاملين الذين انتهوا عاطلين وكل من حرم من فرصة ثانية بسبب هذا الموروث اللغوي الظالم الذي يؤدي إلى فعل أظلم. كانوا قد ردَّدوا على أسماعي هذا المثل في عاملة منزليّة تنازل عنها كفيلها، لكنّني منحتها فرصة فتمنّيت لو أنّها وصلتني من سنين، ذلك لأنه ببساطة ليس كل ما يرميه الطير لا خير فيه، وإنّما “بعض الطير مافيه خير..!”.
مشاركة :