مشاري الوسمي.. “أزمة عناق”

  • 5/19/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

غرفة هادئة ، أثاثها يوحي بالأصالة ورائحة الزمن الجميل ، طاولة صغيرة في وسط المكان عليها نظارة ذات إطار معدني وعدسات سميكة ، بقايا أوراق من جريدة بتاريخ قديم . أشيح بناظري أرى مكتبة بطول الجدار تحتضن أمهات الكتب؛ لا أتمالك نفسي من لمسها، بأطراف أصابعي أبحث فيها عن ملامح الغائب الحاضر . هناك أريكة صوفية بلون السماء الصافية،. ذات الأيدِ الخشبية لم يغيرها الزمن ولم تعبث بها رياح التغير والحداثة ؛ هنا أجد نفسي مازلت صغيرًا ؛ فذكرياتي في كل زاوية كطفلٍ صغيرٍ مشاغب ، أحيانًا يغضب منه والده، ودائمًا ما يحنو عليه ويحتضنه . أجل إنها غرفة أبي؛ بملامح أبي ، ورائحة أبي ، كم أشتاق لصوته ولمسته ، غضبه ودفء حبه ، هو معلمي الأول وصاحب الفضل بعد الله بأن أكون أنا؛ لا شيء يشبه وجوده بالنسبة لي . فكم أدركت أن لا رحيل بعد رحيله ولا وجع بعد فقده . استوقفتني صورة له بعثرت أفكاري ، بددت مخاوفي . فتلك النظرات وإن كانت من صورة ؛ إلا إنها مازالت تحتويني وتكسر جدار الوحشة وأمواج الغربة التي تعتريني، فهو السند و شواطئ الأمان ، كلماته كالوميض تعيدني كلما حادَ بي الطريق وصارعتني الأيام . في غرفة أبي ؛ لا أقوى على الصراخ ألماً أو شوقًا ، فلا أجرؤ أن أرفع صوتي في حضرته أو حضرة روحه. فكل ما أستطيع فعله هو تقبيل ذكراه بنظراتي ، أحتضن رائحة وسادته ، أتلمس مقابض الأرائك والأبواب، فهي من أثر أبي ، ولكنه العناق يا أبي ، وآه من العناق الذي استحال في غيابك ، في سماع دقات قلبك ، ولمسات يدك على كتفي ، لا شيء يساويك عندي ، فلا ترحل يا قرة العين وسند الظهر وملاذي بعد الله . رحمك الله يا قطعة من الفؤاد والروح ، ستظل أزمة عناقك عندي معضلة لا حل لها ، فمكانك سيبقى شاغرًا وإن طال الزمان وكثر البشر . دمتم بارين بآبائكم الأحياء منهم و الأموات .

مشاركة :