اتحاد الشغل يعيد الزخم لدعوات تغيير نظام الحكم في تونس

  • 5/19/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أعلن الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي، في تصريح مفاجئ، دعمه إجراء استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي في تونس، ما يربك حركة النهضة الإسلامية أكبر المستفيدين من النظام القائم. وصنّف مراقبون دعوات الطبوبي ضمن خانة الاصطفاف خلف رئيس الجمهورية قيس سعيّد في مواجهة تغول النهضة، إذ أن الرئيس من أكبر المتحمسين لتغيير النظام السياسي الذي حمله مسؤولية الفشل الحكومي المتواصل. تكشف مساندة الاتحاد العام التونسي للشغل لدعوات تغيير النظام السياسي عن تزايد القناعات لدى المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية بأن نظام الحكم القائم وهو نظام شبه برلماني بات عاجزا، في ظل مشهد سياسي محتقن تحكمه الصراعات ويجمعه الفشل الاقتصادي والاجتماعي دون تحمل أي طرف مسؤولية ما يحدث. ولئن يجمع خبراء القانون الدستوري على أنه لا يوجد نظام سياسي أفضل من غيره في إدارة شؤون البلدان، إلا أن مراقبين يجمعون على أن النظام الذي أسسه دستور 2014 في تونس جاء على مقاس حسابات أحزاب سياسية سعت لضمان موطئ قدم دائم لها في الحكم إلى جانب عدم تحملها مسؤولية أي فشل حكومي والركوب على أي نجاح يتم تحقيقه. وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي الاثنين، في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن “تونس تعيش حاليا على وقع أزمة سياسية”، داعيا إلى “تنظيم استفتاء لتمكين الشعب التونسي من تقييم النظام السياسي القائم إن كان صالحا وناجعا أم لا”. وتابع الطبوبي “الشرعية هي السيادة للشعب ولا بد أن يكون هناك استفتاء يرجع للشعب”. وبحديثه عن الشرعية تتقاطع دعوات الأمين العام للمنظمة العمالية مع تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد مؤخرا التي قال فيها إن “الشرعية لا تعني المشروعية”، في إشارة إلى التجاذبات السياسية التي تعصف بالبرلمان التونسي وتداعياتها التي تربك العمل الحكومي. ولا يخفي سعيّد منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية العام الماضي تذمره من النظام السياسي القائم، إذ يعتبره جزءا من الأزمات التي مرت بها البلاد منذ ثورة يناير 2011، متعهدا بتغييره عبر استفتاء شعبي إذا وصل إلى سدة الحكم. وفيما تظل تصورات الرئيس بشأن نظام الحكم إلى حد الآن غامضة وغير مفهومة، إلا أن انضمام أكبر منظمة نقابية في البلاد إلى مساندة دعوات تغيير النظام يلهب حماسة الأحزاب السياسية التي طرحت الأمر قبل سنوات ويعيد الزخم إلى مبادرتها. وتأتي دعوة الطبوبي بعد يومين من لقائه بقيس سعيّد بقصر قرطاج، ما يشير إلى أن الدعوة كانت محل نقاش الطرفين. وذهبت أطراف إلى توصيف دعوة الطبوبي على أنها انضمام إلى رئيس الجمهورية في مواجهة حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، إذ تسمم الخلافات بشأن الصلاحيات العلاقة الملتبسة بين سعيد والغنوشي. ويرى متابعون في تبني اتحاد الشغل، أكبر المنظمات الوطنية تعبئة وتأثيرا، لمطالب تغيير نظام الحكم جرعة دعم إضافية ستضعها ضمن أولويات المرحلة المقبلة، خاصة وأن الرئيس من أكبر المتحمسين لهذه الدعوة. ويعيب مراقبون على نظام الحكم شبه البرلماني الذي أقر سنة 2014 تكريسه لمنطق المحاصصة الحزبية في تكوين الحكومات وإفلات الأحزاب المشاركة فيها من المحاسبة الفردية وتحميل المسؤوليات، إضافة إلى هشاشة الاستقرار السياسي المرهون في الاختلافات الأيديولوجية للأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي. وتجنح فئة هامة من التونسيين إلى العودة لنظام الحكم الرئاسي أو شبه الرئاسي كونه أكثر ضمانة للاستقرار السياسي وكونه أيضا يحصر الصلاحيات في يد شخص واحد من الممكن محاسبته بعد ذلك، خلافا لتوزيع الصلاحيات على رؤوس ثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة) كما هو الحال مع النظام شبه البرلماني المعتمد في البلاد منذ 2014 والنظام المجلسي المتبع بعد ثورة يناير 2011. وترفض حركة النهضة الإسلامية الخوض في مسألة تعديل النظام السياسي في البلاد وتتخوف من أن يُسحب البساط من تحت أقدام رئيسها ورئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يريد مواصلة لعب دور الحاكم في تونس بحكم الصلاحيات الواسعة التي منحها له دستور 2014. وتتهم الكثير من الفعاليات السياسية منذ سنوات، الحركة الإسلامية بقصدية اعتماد هذا النظام (شبه البرلماني) الذي لا يفرز شرعية ولا يمكّن أي طرف ينجح في الانتخابات من الحكم بمفرده. ومنذ 2011، شاركت النهضة في هندسة كل الحكومات ورغم كل النتائج الهزيلة اقتصاديا وتفشي الإرهاب في البلاد، فإن الحزب الإسلامي تملّص سياسيا من تحمل المسؤولية لوحده عبر تعويم الأمور بالاستناد على النظام السياسي الذي يحمّل الجميع أعباء الحكم. ويضمن النظام شبه البرلماني الذي فرضته النهضة في دستور 2014، بحكم ثقلها البرلماني بعد فوزها بالمرتبة الأولى في الانتخابات التي عقبت ثورة يناير 2011، للحركة الإسلامية المشاركة في الحكم بشكل دائم إذا ما اعتمدنا إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن 20 في المئة من التونسيين من أنصارها. وهاجم رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق الاثنين في تصريحات لوسائل إعلام محلية حكومة إلياس الفخفاخ واعتبر أنها حكومة فاشلة وهي أسوأ حكومة جاءت بعد 2011 بسبب الخلافات بين مكوناتها. واعتبر مرزوق أن سبب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد هو النظام السياسي الذي أفرزته كتل برلمانية ضعيفة، مشبّها النظام السياسي القائم بالجثة المتعفّنة وأكد أن “النظام السياسي القائم هو نظام متعفّن يجب تغييره عبر مؤتمر وطني للحوار وأنه لا مستقبل لتونس إلا بالمرور إلى جمهورية ثالثة تقطع مع النظام السياسي الحالي”. وتعد تصريحات الأمين العام لحركة مشروع تونس أول استجابة سياسية لدعوات الاتحاد العام التونسي للشغل والتي من المنتظر أن يتفاقم زخمها خلال الأيام القليلة القادمة. ومن المنتظر أن تتحرك حركة النهضة، المتضرر الأكبر من تغيير النظام السياسي، لعرقلة مثل هذه الدعوات، كما فعلت ذلك في وقت سابق، إلا أن التجاذبات الراهنة التي يعيشها البرلمان التونسي خاصة بين أحزاب الائتلاف الحاكم قد تعطي زخما جديدا لمبادرة تستمد قوتها الآن من أكبر منظمة نقابية في البلاد. والدعوة من أجل تغيير الدستور باتجاه إعطاء صلاحيات إضافية لرئيس الجمهورية ليست مستجدّة، إذ سبق وأعلن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي سنة 2016 أنه لن يعارض أي مبادرة لتعديل النظام السياسي من النظام البرلماني المعدّل إلى النظام الرئاسي المعدّل. وانضم رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي إلى قائمة الداعين لتغيير النظام السياسي، إذ أكد في تدوينة على حسابه على فيسبوك في سبتمبر 2018 أن “هذا النظام المزدوج الذي يوزّع السلطة التنفيذية بين شخصين وإن يحمي حقا من الاستبداد فهو محمّل بهشاشة لم يقدّر خطورتها إلا بممارسة السلطة”، وأوضح أنه في ظلّ هذا النظام لا بدّ من توافق بين رأسي السلطة التنفيذية وإلا فإنه صراع لا ينتهي والضحية الدولة ومصالح الشعب”.

مشاركة :