أحدث موجات الهجوم على هذه الناشطة التي يصفها خصومها بالناشطة اليمنية – التركية جاء في الأيام الأخيرة، عقب اختيارها ضمن فريق الإشراف على محتوى موقعي فيسبوك وإنستغرام، وهو القرار الذي أثار موجة من الرفض والغضب، وصولا إلى إطلاق عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عريضة احتجاج تعبيرا عن استنكارهم ورفضهم لهذا القرار بالنظر إلى خلفياتها الأيديولوجية وتصريحاتها المثيرة للجدل واشتهارها بحظر منتقديها على مواقع التواصل وعدم تقبلها للآراء المخالفة. هي، على حد تعبير منتقديها، كومة من المتناقضات والمواقف المتشنجة والانفعالية النابعة من خلفية وتكوين أيديولوجي كواحدة من المنتمين لفكر الإخوان المسلمين في اليمن، ويعتبرها أنصارها والمعجبون بها ناشطة حقوقية شجاعة استطاعت أن تقف في وجه نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وأن تؤلب عليه أثناء حكمه وبعد رحيله وحتى بعد أن غادر الحياة مقتولا على أيدي الحوثيين في ديسمبر 2017. ثقافة أدب السجون نشأت كرمان في منطقة في محافظة تعز ينحدر منها العديد من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وفي بيت تغلب عليه النزعة الأيديولوجية والميول الراديكالية، حيث كان والدها عبدالسلام كرمان قياديا إخوانيا ومؤسسا في حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي أصبحت ابنته عضوا في مجلس شوراه بعد ذلك في العام 2007. بدأت مسيرتها الحقوقية في صنعاء كناشطة حقوقية مدفوعة بهتافات وأدبيات السجون التي أسسها إخوان مصر في مواجهة الأنظمة الجمهورية التي جاءت بعد الثورة المصرية ضد الملكية، وسعى خلالها الإخوان للاختباء خلف تاريخ المواجهة بينهم وبين الرئيسين جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات بإنتاج ما يشبه المظلومية الثقافية المتكئة على التراث الديني الجهادي، وهو ما تبلور في نوع ممّا يسمّى “أدب السجون” الذي برزت فيه أسماء بعينها مثل القيادية الإخوانية زينب الغزالي التي كانت إحدى ملهمات توكل كرمان في مرحلة التكوين الثقافي والفكري. وجاء اسم منظمتها الحقوقية الأولى مستمدا من ذات الخلفيات الثورية الإسلامية، حيث أطلقت عليها اسم “صحافيات بلا قيود” في 2005، وهي التسمية التي انسجمت تماما مع خطاب كرمان الحقوقي والسياسي الذي غلبت عليه نبرة الشعارات الراديكالية والهتافات والأناشيد التي ظل عناصر التنظيمات الجهادية يرددونها من خلف قضبان أقفاص المحاكمات الشهيرة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ارتبط هوس كرمان بعشق الأضواء والشعارات منذ وقت مبكر برحلتها للبحث عن ضالتها التي وجدتها بادئ الأمر في قضية ما يسمى “مهجّري الجعاشن” حيث تبنت شكوى عدد من أبناء منطقة “الجعاشن” بمحافظة إب نزحوا إلى العاصمة صنعاء هربا من بطش شيخ قبلي نافذ آنذاك، واتهمت السلطات توكل حينها بالعمل تحت غطاء حقوقي وإنساني لتأجيج هذا الملف وتحريك التظاهرات لتحقيق أهداف سياسية وحزبية لصالح تنظيمها الذي كان يخوض في تلك الفترة صراعا مع الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام بلغ ذروته بعد ذلك في احتجاجات العام 2011 التي وجدت فيها كرمان ضالتها الكبرى لتدير ظهرها وإلى الأبد لقضية “مهجري الجعاشن” الذين لم تتحدث عنهم بعد ذلك، حتى بعد حصولها على “نوبل” باعتبار أنها قضية باتت من ماضيها الحقوقي، كما يقول منتقدوها. الانطلاقة الكبرى تصدرت احتجاجات العام 2011 المطالبة بإسقاط نظام صالح، وساهمت في تأجيج المظاهرات ودعت لاستمرار الاعتصامات فيما عرف بساحة الجامعة التي كانت نواة الحراك الشعبي الذي قادت دفته أحزاب اللقاء المشترك وفي مقدمّها حزب الإصلاح الذي تنتمي إليه كرمان للإطاحة بنظام صالح. وقد وصفت كرمان في تلك الفترة بأنها أحد أبرز الصقور، حيث عارضت ومعها عدد من القيادات الشابة أيّ تقارب مع صالح ونظامه، وقادت سلسلة من المظاهرات التي أججت الصدام الحاد بين المتظاهرين وقوات الأمن، وهو ما اعتبر خروجا عن موقف اللجنة التنظيمية للاعتصام وقفزة غير محسوبة العواقب بعيدا عن خطة التصعيد المنضبط التي تبنتها الأحزاب السياسية المعارضة، خشية الدخول في مواجهة دموية مفتوحة مع الدولة. اتهمت كرمان في تلك المرحلة بتحريض مجموعات من الشباب غير الحزبيين أو المتحمسين للخروج في مظاهرات باتجاه مناطق تماس ساخنة بهدف إسقاط مراكز حيوية في صنعاء مثل رئاسة الوزراء، وهو الأمر الذي قابلته قوات الأمن بعنف، ما تسبب في سقوط قتلى وجرحى قيل إن توكل استخدمتهم إعلاميا للتعجيل بسقوط نظام صالح وزيادة الضغط الدولي عليه، بالتنسيق مع الدور الإعلامي الذي كانت تقوم به لصالح قناة الجزيرة التي كانت حاضرة في كل انفعالات كرمان وتصريحاتها التي طالت كل قادة النظام وتجاوزت ذلك إلى قادة دول الخليج الذين اعتبرتهم متواطئين مع نظام صالح ما عدا “الأبية قطر” بحسب تعبيرها في إحدى المقابلات الشهيرة لها، حيث كشفت عن ارتباط مبكر وعميق مع الدوحة. تسببت مواقف كرمان في الكثير من الأحيان بإحراج قيادات حزبها الذين كان العديد منهم لا يزال يحتفظ بعلاقات مع الرئيس علي عبدالله صالح، ومن هؤلاء والدها عبدالسلام كرمان وزير الشؤون القانونية السابق وعضو مجلس الشورى آنذاك الذي اعتذر في إحدى جلسات المجلس التي بثها التلفزيون اليمني عن سلوك ابنته الذي وصفه بأنه “قليل أدب” حسب تعبيره. ولم يتوقف الرفض لمواقف كرمان عند والدها فقط حيث انتقدها عدد من أشقائها أيضا، ومن بينهم طارق كرمان الذي طالبها بالاعتذار عن دورها في ما أسماه “تدمير الوطن”. موجات سخرية وانتقاد في خضم انخراطها في الاحتجاجات ضد النظام في اليمن عام 2011، وأثناء اعتصامها في “ساحة الجامعة” بصنعاء، تلقت كرمان أكثر الأخبار المفرحة في حياتها، حيث أبلغت بفوزها بجائزة نوبل للسلام إلى جانب الرئيسة الليبيرية إلين جونسون والناشطة الليبيرية ليما غوبري لتصبح خامس شخصية عربية وأول امرأة عربية تحصل على هذه الجائزة الرفيعة. غير أن الكثير من التقارير الإعلامية شككت في أهلية حصولها على الجائزة، ولاح دور قطر في دعم ترشحها من خلال التبرع المالي للجنة التي تمنح الجائزة والعلاقات التي تربط قطر مع بعض القائمين على لجان تحكيمها. وبالرغم من ارتباط الجائزة التي حصلت عليها كرمان بالسلام إلا أن ذلك لم يؤثر كثيرا في تغيير خطابها السياسي الذي ظل طابع الدعوة للعنف وإسقاط الأنظمة وشنق الزعماء يطغى عليه، بل إن الكثير من منتقديها يؤكدون بأنها أصبحت أكثر التزاما بمواقف قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين من خلال تبنيها الفاضح لخطاب الدوحة وأنقرة التي منحتها جنسيتها، وتجلّى ذلك في موقفها من أحداث مصر المتوالية حيث اصطفت مع جماعة الإخوان، كما بدا ارتباطها العضوي بهذه المنظومة بعد تحول مواقفها من التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، عندما اتهمت هذا التحالف بأنه “احتلال” بعد إنهاء مشاركة قطر فيه بوقت وجيز. أثار العديد من مواقف كرمان وتصريحاتها موجات عديدة من السخرية أحيانا والانتقادات اللاذعة والحملات الإعلامية أحيانا أخرى، ومن أشهر تصريحاتها في هذا السياق حديثها في أول لقاء أجرته بعد فوزها بجائزة نوبل مع قناة الجزيرة، حيث بدا عليها الارتباك وخانتها العبارات وهي تحاول جاهدة مواكبة الحدث استحضار مصطلحات ثقافية وفكرية واجتماعية تليق بمكانتها الجديدة عندما تحدثت عن “الرجل الأنثى” و”الرجل ذكرا كان أو أنثى” بحسب تعبيراتها التي تم تداولها على نطاق واسع، خصوصا بين أوساط خصومها. كما أثار فيديو آخر لها أثناء لقائها برئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، بعد فوزها بنوبل وحصولها على الجنسية التركية، موجة من الغضب في صفوف اليمنيين عندما قدمت لأردوغان ما يشبه جردة حساب عن نشاطها في اليمن وحديثها عن تحقيق “الهدف الأول” في إشارة إلى إسقاط الرئيس علي عبدالله صالح، والاستمرار في تحقيق بقية الأهداف الأخرى التي لم تفصح عنها. وإضافة إلى مواقفها وتصريحاتها التي وصفت بالمتشنجة تجاه الدول المناوئة لقطر وتركيا وتنظيم الإخوان، ودعوتها للتقارب بين الإخوان والحوثيين في اليمن نكاية بدول التحالف، أطلقت كرمان عبارات غير لائقة سياسيا تجاه الدول المقاطعة للنظام القطري ودعت لتفتيت هذه الدول وإحياء النعرات الطائفية والسياسية والجهوية فيها. وبرز دور توكل بشكل لافت في أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، حيث قامت بدور يفوق طبيعة نشاطها الحقوقي ويتجاوز بحسب مراقبين أيّ نشاط يفترض أن تقوم به تجاه الشعب اليمني الذي أثخنته جراح الحرب والأوبئة والمجاعات. وفي هذا السياق تناقلت وسائل إعلام صور وقفاتها المتكررة أمام القنصلية السعودية بإسطنبول وإطلاقها الهتافات والدموع، وصولا إلى هفواتها الإعلامية ومن بينها مطالبتها “السلطات السعودية بألا تقبل بانتهاك سيادتها” قبل أن ينبهها الناشط المصري المحسوب على قطر أيمن نور بأن المقصود السلطات التركية وليس السعودية في عملية “تلقين سياسي” فاضحة كما وصفها مراقبون. عين قطر على فيسبوك يؤكد النشطاء الموقعون على عريضة الاحتجاج المرفوعة إلى فيسبوك أن كرمان، التي وصفوها بـ”ذات التوجه الإخواني”، لا تمثل الشارع اليمني ولا العربي وأنها واجهة لتحزبات فكرية وأيديولوجية تتنافى تماما مع ما يتطلّبه هذا المنصب من الحيادية والشفافية واحترام الشعوب، وهو ما تحظى به المئات من الشخصيات العامة العربية بخلاف توكل كرمان، التي يضرب اختيارها نزاهة مجلس الإشراف على المحتوى وسمعته في مقتل، ويفقد مستخدمي فيسبوك كل ركائز الثقة تجاه هذه المنصة، كما جاء في العريضة. ولكن وصفها بأنها “عين قطر على فيسبوك” بحسب بعض وسائل الإعلام العربية والدولية، وتصاعد موجة المعارضة لقرار ضمها لمشرفي محتوى فيسبوك وإنستغرام، دفع كرمان مجددا لاستحضار خطابها العنيف تجاه منتقديها، بعد أن وصفتهم على قناة الجزيرة بأنهم مجرد “ذباب إلكتروني” مدفوع.
مشاركة :