يصر رئيس الوزراء اللبناني الجديد، حسان دياب، في كل مرة على التأكيد أن حكومته مصرّة على إعادة الثقة أولا في الداخل اللبناني وثانيا استرجاع ثقة شركاء الخارج للخروج من أزمة اقتصادية باتت تخنق البلد وتجهّز كل الظروف لعودة الاحتجاجات ثانية. وتتراكم الكثير من الأسباب التي تجعل من عمل الحكومة الجديدة محفوفا بالكثير من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية، حيث يحذر مراقبون من جهة أن يخسر لبنان مساعدات يطمح للحصول عليها من صندوق النقد بسبب أنشطة حزب الله الذي صنفته دول عدة على لوائح الارهاب، فيما يشدد آخرون على وجود دلائل كثيرة تشير إلى عودة الشارع للاحتجاج. وفي الوقت الذي ترغب فيه بيروت الحصول على برنامج تمويل من صندوق النقد الدولي يفتح لها قنوات تمويل إضافية من بلدان ومنظمات دولية، يرافقه برنامج إصلاح اقتصادي تنفذه الحكومة بمساعدة فنية من مسؤولي الصندوق، خيّمت الاحتجاجات الشعبية على مناطق عدة بالبلد. وبعد فترة ترقب لأحداث متتالية فرضت نفسها على الساحة الداخلية إبان تشكيل حكومة حسان دياب في 11 فبراير الماضي، ومعالجتها لأزمات سياسية ومالية مستفحلة، بدا الشارع اللبناني الذي سئم وعود الطبقة السياسية في العقود الأخيرة مستعدا لخوض جولة جديدة من الاحتجاجات. ومع تراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء، انعكست تداعيات سلبية على أسعار المواد الاستهلاكية الأولية، وتآكلت رواتب الموظفين بجميع القطاعات. ورغم إجراءات مشددة اتخذتها الحكومة لمكافحة فايروس كورونا، خرجت في مدينة طرابلس (شمال) احتجاجات نددت بالأوضاع التي هدّت كاهل المواطن. وشهدت مناطق أخرى في البقاع (شرق) وغرب العاصمة بيروت، إغلاقا للطرقات ووقفات احتجاجية، حمّل المحتجون خلالها الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية التدهور المعيشي في ظل أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخ لبنان. ويقول خالد طالب (30 عاما) وهو عامل حر، إنه شارك في احتجاجات طرابلس خلال الأيام الماضية، لأنه غير قادر على تأمين لقمة العيش لعائلته. فيما يوضح حميد النيني (35 عاما)، صاحب متجر بطرابلس “خروجي إلى الشارع هو للتعبير عن الحرمان الذي نعيشه، فقدنا الثقة بالحكام، وسنبقى في الساحات حتى تحقيق مطالبنا”. وتساءلت ثريا غالب (27 عاما) ابنة مدينة صيدا (جنوب) وهي جامعية “كيف يمكننا أن نأكل واللحم بات بـ35 ألف ليرة؟ نحن من دون عمل، وباقون في الشارع إلى ما شاء الله”. ومنذ 17 أكتوبر 2019، يشهد لبنان احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية. ومع تأزم الأوضاع، تتصاعد تساؤلات بشأن ما ينتظر لبنان في الأيام المقبلة، وإن كانت ثورة جياع على الأبواب. وفق منير الربيع، كاتب ومحلل سياسي، فإن “التحركات والاحتجاجات كانت متوقعة، وستزداد وتيرتها بسبب عدم عمل الحكومة على إنجاز خطة إنقاذية وإصلاحية حقيقية”. ويعتبر أن “الخطة المقدمة من حكومة دياب، توصّف المشكلات والأزمات في البلاد وتدل على نية العمل، ولكن السؤال هو كيف ستبدأ؟”. وأضاف الربيع “اللبناني غير قادر على الانتظار أكثر في ظل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتحليق سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وكل الأزمات التي تخيم على البلاد”. ويرى أن “التحركات مقسّمة إلى 3 أقسام، الأول أشخاص يتظاهرون ضد المصارف، وأشخاص يخرجون ضد الجوع، وآخرون تحرّكهم أطراف سياسية لمحاولة استغلال التحركات لإسقاط الحكومة أو التركيبة السياسية الحالية”. ويرجح أن “لبنان مقبل على تحركات واحتجاجات كثيرة، إضافة إلى كثير من الصدام السياسي، الذي قد ينعكس في الشارع”. ويستبعد الربيع، وجود نية دولية لدعم لبنان ماليا. وصادقت الحكومة اللبنانية بالإجماع، الخميس الماضي، على خطة إنقاذ تستغرق 5 سنوات، لانتشال الاقتصاد المحلي من مستويات تراجع حادّة، أفضت إلى عجز بيروت عن دفع ديون خارجية. ويعتبر غسان حجار، كاتب ومحلل سياسي، أن “الواقع الجغرافي للتحركات يدل على أن الاحتجاجات ستتمدد وتتوسع.. طالما بقي الوضع المالي على حاله، فالغضب متصاعد”. وينفي حجار صحة ما يتردد عن وجود أيادٍ خفية وراء خروج المحتجين إلى الشارع لإسقاط الحكومة. ويقول “هذا غير وارد، وإذا الأصابع موجهة إلى سعد الحريري، فهو غير مستعد لترؤس أي حكومة في ظل هذه المرحلة، فهي مصيرية ومرحلة جوع وفقر”. وبعد 12 يوما من بدء الاحتجاجات، أجبر المحتجون حكومة الحريري على الاستقالة، ثم حلت محلها حكومة دياب. وحذر دياب، في وقت سابق، من “خطة خبيثة” لـ”وضع الناس ضد الجيش”، مهددا بإعلان أسماء من قال إنها “جهات” تحرض على الشغب خلال الاحتجاجات الشعبية. وبشأن إن كانت الاحتجاجات ستأخذ منحى عنفيا، يرد حجار “من الطبيعي، فالثورة لا تكون في الصالونات، والجائع لا يستطيع التحمّل، والمودع الذي حُجزت ودائعه بالبنك كيف يمكن ضبط غضبه؟”. وأوضح “فور وضع حلول جدية سيخرج الناس من الشارع تلقائيا، لكن عندما يتمدد الجوع، سنشهد خروج الآلاف إلى الشارع، فالفقر لا طائفة ولا هوية له”. ويصف حجار الوضع المالي بأنه “قاتم”، والمشهد السياسي بـ”المعقد”. وتقول جهات لبنانية إن جماعة “حزب الله”، حليف إيران، مسؤولة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، بسبب تدخلاتها في سياسات الدول المجاورة، ما جعل البلاد رهينة، بينما في أزمات مالية سابقة تدخلت دول عربية وأجنبية لمد يد العون لبيروت. وعادة ما ينفي “حزب الله” أي مسؤولية له عن تدهور الأوضاع المعيشية للبنانيين.
مشاركة :