إيران تمتطي صهوة «طالبان» لدعم تغلغلها في أفغانستان

  • 6/30/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تثير التقارير التي صدرت مؤخراً حول تجنيد إيران وتدريبها لعناصر من تنظيم طالبان القلق، وإن لم تكن هذه المعلومات جديدة.فقد ضبطت القوات الدولية في أفغانستان شحنات أسلحة إيرانية في طريقها إلى طالبان منذ عام 2007، وتكررت الحادثة عام 2011 وكانت الشحنات ضخمة إلى الحد الذي دفع رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق ديفيد بترايوس للقول إنها كميات ضخمة من السلاح لم يكن ممكناً أن تعبر الحدودمن دون علم الحكومة الإيرانية. وقال بترايوس الذي كان حينها قائداً للقوات الأمريكية العاملة في أفغانستان، إن إرسال الحكومة الإيرانية الأسلحة لطالبان يهدف إلى الحيلولة دون نجاح المجموعات السنية في تحقيق التفوق. لكنه قال أيضاً: كما أنهم، أي الإيرانيون، لا يريدون لنا أن نحقق النجاح بسهولة. أكدت فورين أفيرز الأمريكية أن هذا الواقع لا يزال قائماً حتى اليوم. فبالنسبة إلى إيران يعتبر تسليح حركة طالبان أحد سبل الحد من نفوذ الولايات المتحدة، واجراء استباقياً لمواجهة التهديد المتنامي الذي يشكله انتشار داعش في العراق والشام. وأشارت إلى أن العلاقة بين طهران وكابول تشهد هذه الأيام تطوراً إيجابياً ملحوظاً. إلا أن كل الترتيبات بينهما تتم أساساً بدوافع أمنية. وأثناء مدة حكم طالبان في أفغانستان أيدت إيران ائتلافاً فضفاضاً بين الميليشيات المعارضة المعروفة سابقاً باسم تحالف الشمال، لدرجة أنها أرسلت بعض قادة الحرس الثوري الإيراني للقتال جنباً إلى جنب معها. وكانت دوافع إيران يومها القلق من تحالف طالبان مع جماعة جندالله التي تنشط داخل إقليم بلوشستان الإيراني وتدعم الإنفصاليين البلوش فيه. وكانت إيران شارفت على الدخول في حرب مع طالبان عام 1998 عندما سيطرت الحركة على القنصلية الإيرانية في شمال أفغانستان وقتلت ستة دبلوماسيين. ولذلك دعمت إيران عام 2001 التدخل الأمريكي في أفغانستان تكتيكياً الذي اسفر عن إسقاط حكم طالبان كما عرضت تدريب قوات الأمن الأفغانية بعد ذلك. ومع مرور الزمن تمرر إيران شحنات أسلحة إلى طالبان بين الحين والآخر، لكن حتى عام 2010 كانت تعارض علناً أي مفاوضات بين الحكومة الأفغانية والحركة. وأضافت فورين أفيرز أنه على أية حال، وفي حركة مفاجئة غير مسبوقة في السياسة الإيرانية المعلنة،أعلنت إيران عام 2011 تأييدها لمحادثات سلام بين الطرفين وعرضت استضافة الجانبين في طهران. وكان وراء ذلك التحول تكليف الرئيس الأفغاني حامد قرضاي يومها الرجل القوي برهان الدين رباني قائداً لمجلس السلم الأعلى في البلاد، وهو الهيئة التي أنيط بها تسهيل التفاوض مع طالبان. (قتل رباني على يد طالبان بعد مدة قصيرة بعد زيارة قام بها إلى طهران). وفي الوقت نفسه ظلت إيران تعارض أي توجه للحديث المباشر بين الحركة والولايات المتحدة. وفي عام 2013 وبعد أن افتتحت الحركة مكتباً لها في قطر، سارعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى إصدار بيان رسمي يقول إن إيران ترى أن المفاوضات المفروضة التي تخطط لها جهات أجنبية تغفل مصالح أفغانستان الوطنية ولن تسفر عن نتائج طيبة. واعتبرت المطبوعة الأمريكية أن انخراط إيران في أفغانستان اليوم بات متعدد الوجوه. فحجم التجارة البينية يصل إلى 3 مليارات دولار سنوياً، كما أنها تستضيف أكثر من مليون لاجئ أفغاني تجند منهم ميليشيات ترسلها لطالبان، وتنشئ مراكز تعليم وتمويل شيعية، وتدعم وسائل إعلام أفغانية، وتمول الحملات الانتخابية لمرشحيها الموالين إلى البرلمان الأفغاني، وتنشئ الطرق التي تربط إقليم هرات الأفغاني بالحدود الإيرانية. وفي عام 2006 افتتحت إيران أكبر مسجد بنته إيران يضم جامعة إسلامية. ونقلت تقارير عام 2010 عن مصادر مطلعة قولها إن طهران تضخ ملايين الدولارات لعناصر محسوبة عليها في حكومة قرضاي. ووقعت الحكومتان عام 2013 اتقاقية تعاون استراتيجي تهدف (من وجهة النظر الإيرانية) إلى سد الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة. وشملت الاتفاقية الجوانب الاقتصادية والأمنية بما فيها التعاون في خدمات الترانزيت وتعزيز الاستثمارات والتجارة والتبادل الثقافي وتوسيع الحركة السياحية ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات عبر الحدود وتبادل المعلومات الاستخبارية وإجراء المناورات العسكرية المشتركة. وشملت الاتفاقيات أيضاً دعوة لإجراء مفاوضات ثلاثية تستبعد الراعي التاريخي لحركة طالبان وهو باكستان. وتشير برقيات أمريكية تم تسريبها إلى أن إيران تحض البرلمان الأفغاني على دعم السياسات المعادية للأمريكيين وإجراء مناظرات سياسية مناوئة للأمريكيين في دورات انعقاد البرلمان لنشر التوتر. وتعترف إيران في الغرف المغلقة بتقديم الدعم المالي لعدد من الزعماء السياسيين الأفغان وأحزابهم. وذكرت الصدارة الأمريكية ان العنصر الواضح في كل هذا العرض هو حرص إيران على تحقيق الندية مع الولايات المتحدة. فهي تعارض بشدة اتفاقية التعاون الأمني الموقعة العام الماضي بين أفغانستان والولايات المتحدة، والتي تسمح لواشنطن بالاحتفاظ بنقاط تمركز محدودة في أفغانستان. وبعض هذه القواعد قريب من الحدود الإيرانية وهو ما أثار حفيظة المتشددين في إيران. ورغم أن إيران تعارض استعادة طالبان السلطة فإن وجود القوات الأمريكية في المنطقة حرض إيران على البحث عن بدائل، بما فيها احتواء بعض عناصر الحركة بحيث يكون لها نفوذ ما في حال تصالحت طالبان يوماً ما مع الحكومة في كابول. وقد وطدت إيران علاقاتها مع تلك الفصائل. ورغم أن الجهات التي تحصل على دعم من إيران غير معروفة إلا أن الشخص المقرب منها هو طيب آغا الذي ظهر مترجماً لوزارة خارجية طالبان أول ما ظهر. لكنه سرعان ما قفز إلى درجة مستشار لدى قائد الحركة الملا محمد عمر وهو اليوم المسؤول في مكتب الحركة في قطر. وفي عام 2007 استقبلته إيران ضمن وفد برئاسة نائب وزير التجارة الأفغاني شارك في مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي ينظمه علي خامنئي مرشد الثورة في طهران. ومنذ ذلك الوقت استقبلت طهران وفدين على الأقل من طالبان في طهران واحد عام 2013 والآخر في مايو/أيار من هذا العام، كان كلاهما بقيادة آغا. وازدادت علاقة الرجل مع طهران متانة مؤخراً حتى إنه بات يحرص على الحصول على ملاذ في إيران هرباً من ملاحقة السلطات الباكستانية. واعتبرت أنه باحتواء زعماء من الحركة باتت إيران تلعب دور مزدوجاً بفاعلية واضحة فهي تلعب دور صانع السلام ودور المخرب. وهنا يبرز دور داعش والميليشيات السنية الأخرى من جديد. فخلال الأشهر الأخيرة تمدد داعش نحو جنوب آسيا حيث يعزز قواعده في المنطقة ويبحث عن مجندين وهو ما ترى فيه إيران تهديداً. ويعتبر داعش في نظر طالبان نداً ومنافساً لا يقتصر دوره على خطف المؤيدين، بل يتعداه إلى اشتف التمويل. وقد أرسلت طالبان رسالة مطولة لداعش مؤخراً جاء فيها: إن الحرب في أفغانستان تدار تحت قيادة واحدة وراية واحدة وإذا لم ينسحب داعش منها فسوف تضطر الحركة للرد. ومع ذلك تحول الكثير من أتباع طالبان إلى الولاء لداعش. ونقلت صحيفة ذي ديلي بيست عن الملا محمد نورازي المنشق عن التبعية الإيرانية قوله إيران هي العدو الأول، وفي حال أمر زعيم داعش بغزوها فلن نتردد في عبور الحدود من أفغانستان. لقد قاتلت الملا عمر 20 عاماً وأنا نادم جداً على ذلك. وطالبان تخدم المصالح الباكستانية ولا تخدم مصالح الإسلام. وخلصت المطبوعة الأمريكية إلى أنه لا شك في أن صعود داعش ومعه الحركات السنية داخل إيران، يجبر طهران على التعاون مع طالبان. وعلى العموم تعمل إيران بقوة على الوقوف في وجه المجموعات السنية. وقد أعلنت السعودية عن استعدادها لبناء مسجد وجامعة في أفغانستان بتكلفة 100 مليون دولار ينجز قبل نهاية عام 2016 في مواجهة النفوذ الإيراني المماثل. ويزيد التحالف بين طهران وطالبان والحكومة الأفغانية/ على الرغم من انعدام الثقة بين الأطراف الثلاثة، من تعقيدات المسألة الأفغانية، وخلال جولات مفاوضات مستقبلية يمكن لطهران استغلال هذا التحالف. وغني عن القول أن طهران تعتبر نفسها أحد أهم اللاعبين الشرعيين في أفغانستان ولا ترغب في أن تتطور الأمور هناك في غير مصلحتها. وإذا كان ثمن الحفاظ على تلك المصالح احتواء بعض عناصر طالبان فهي على استعداد للقبول به.

مشاركة :