الرؤية السعودية والرؤى العربية - ياسر صالح البهيجان

  • 5/24/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة جرح عميق في الوجدان العربيّ تغذيه ذاكرة جماعيّة لا تكاد تفتر عن اجترار الأحداث المأساويّة المستبيحة لكبرى العواصم ابتداءً من دمشق ومرورًا ببغداد وبيروت وليس انتهاءً بصنعاء، في ظل واقع حافل بالفوضى نتيجة عوامل جيوسياسيّة اختارت الفضاء العربي ميدانًا لصراعاتها ومسرحًا لطموحاتها التوسعية ذات الطابع الـ«نيوإمبريالي» والتي أخذت تنهش جانبًا من الهويّات الوطنية، وسط تمدد تتجاذبه أطراف فارسيّة وأخرى تركية وثالثة غربيّة. ولإن كان سؤال الطريق إلى النهضة ومقوماتها أحد أبرز التساؤلات المطروحة في القرن العشرين الميلادي، فإن ذلك الاستفسار المشروع تراجع في القرن الجديد ليحل مكانه سؤال الهوية الوطنيّة ومآلاتها مع تزايد العوامل المهددة لها، وهو ما يفرض على دولنا العربيّة الاتجاه نحو تأسيس رؤية تعزز الانتماء الوطني تمامًا على غرار الرؤية السعودية التي قررت تحدي الواقع بجميع مؤثراته الجغرافية والسياسية والثقافية والاقتصاديّة والاجتماعية لبناء منظومة قيم يترسخ فيها الولاء للوطن، وتتحقق بموجبها السيادة في اتخاذ القرار، وتتعاظم فيها المصالح الاقتصادية الشعبيّة بوساطة تنويع مصادر الإيرادات، وتقوية الملاءة الماليّة للصندوق السيادي للدولة، مع توفير بيئة استثمارية صحيّة للقطاع الخاص ليمارس دوره الفاعل في الدفع بالاقتصاد نحو التحرر من هيمنة السلعة الواحدة. والحق أن الدول العربيّة لن تتمكن من تحقيق استقلالها التام دون تدخلات خارجية أو استبداد داخلي إلا بوجود رؤية وطنيّة تضع في سلم أولوياتها التحرر من المدّين الإيراني والتركي، وإيجاد مساحة للقوى الوطنيّة لملء الفراغ وتحجيم دور الأحزاب العبارة للحدود الخادمة للمشاريع الاستعماريّة حتى وإن ارتدت الزي المحلي ورددت النشيد الوطني. دول العالم العربي بأمس الحاجة إلى نموذج رؤية ناجح يمنحها بصيصًا من الضوء داخل النفق، وهو ما يفسّر حجم الهجمات الشرسة من المشاريع الإيرانية والتركية والغربية ضد الرؤية السعوديّة؛ لإدراكهم بأن نجاحها سيجعل منها تجربة قابلة للاستنساخ في العديد من دول الجوار، ما يعني إفشال مشاريعهم التوسعيّة، وإيقاف نهبهم للثروات العربية وهيمنتهم على صناعة القرار فيها. قدر المملكة أن تكون قائدة للتغيير الإيجابي في المنطقة، لذلك لن تقبل إطلاقًا بأن تتم إعاقة تحقيق رؤيتها الطموحة من أجل شعبها والشعوب العربية كافّة، ويتبقى على المخلصين من العرب استخلاص التجارب من المسيرة الوعرة التي اختارتها السعودية لتظل دولة قوية وفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي، وأن يدركوا بأنه لا مستقبل لأي بلد إلا بالاعتماد على أبنائه ومنع أي نفوذ لدولة أجنبية مهما كانت ذرائع وجودها.

مشاركة :