بعض الزّوجات؛ يشتكين انشغال الأزواج بمواقع «التوصل الاجتماعي» وغيرها؛ يمضون الساعات الطوال؛ يكتبون أو يعلّقون أو يردّون على أحد المتابعين، بينما البيت في حالة من الصخب والأولاد يملؤونه بالصراخ، فتأتي الزوجة تستنجد بزوجها، فتجده غارقًا حتى أذنيه، لا يسمع ولا يردّ، وهو في أعماق الشبكة العنكبوتية (النت)، يبحث عن لؤلؤها وجواهرها المُزيّفة، التي جعل منها متعته وسعادته؛ لا يدري بأنّها خرابه وخراب بيته. كثيرًا ما نلوم هذا الجيل، لتعلّقه بالوسائل الحديثة من جوالات وغيرها، وصرفهم الوقت والمال لأجلها، وقد أصبحت رفيقهم وأنيسهم، بعد أنْ اختفت العلاقات الاجتماعية والزيارات، التي استبدلوها بالجلوس أمام الشاشات لساعات طوال!... ننسى بأنّ هذا هو حال الآباء أيضًا، الذين نسوا التزاماتهم في البيت، وانصرفوا إلى مُتعة رخيصة من خلال كلمات بائسة يكتبونها أو يقرؤونها على صفحات الشبكة العنكبوتيّة أو في متابعة المباريات الرياضيّة أو غيرها من المُلهيات! ليعلم هؤلاء الآباء الغافلون بأنّ صفحات الشبكة العنكبوتيّة، ليست أمام الشاشات، وإنّما في عيون الأطفال ووجوههم، التي نسوا أنْ يقرؤوا نظراتها ويتمعنوا في معانيها، وانصرفوا عنهم، وتبنّوا الشبكة العنكبوتيّة والجوالات كأطفال لهم بدلاً من أطفالهم؛ فوضعوا فيها جُلّ اهتمامهم؛ يبحثون عن متعة رخيصة وبائسة، وينتظرون «الإعجابات» و»اللايكات» أو نشر الهزيل من القول؛ فتجدهم يُحاورون المجهول ويبحثون عنه، وينسون أنّ بين أيديهم من يستحقّ محاورته والسماع له في البيت! حتى يُدركوا بأنّ شكاوى الزوجات لم تأتِ عبثًا، وإنّما هي همٌّ دفين لا يجد له مُتنفسًا. نحن نرثي لحال البيوت التي يكون فيها الزوج من هواة مواقع التواصل الاجتماعي، لأنّ حصاده سيكون بائسًا وخائبًا، وثمرته ستكون فاسدة ورديئة، وعندما يكبر؛ سيجد بأنّ أولاده انصرفوا عنه؛ فيفتّش عنهم ولا يجدهم، وسيدرك بأنّه قد لاقى جزاءً من نفس طبيعة عمله، وحينئذ سيعرف ما يعنيه بيت الشعر: إِذَا كَان ربُ البَيْتِ بالدفِ ضَارِباً فَشِيمَةٌ أَهْلِ البَيْتِ الرَّقْصُ وسيكتشف، بأنّ أولاده بدأوا يرقصون على أنغام موسيقاه وسيكونون مثل آباهم من فئة المُطبّلين والراقصين! غفلة الآباء؛ من مصائب هذا العصر، لأنّ الآباء اعتزلوا أبناءهم وانصرفوا يبنون قُصورًا من الوهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أو يتابعون الأخبار والتحليلات البائسة، أو يشاركون في جدال عقيم حول أحداث هذا الزمان المُتقلّبة، لا يدرون بأنّ الله، سبحانه وتعالى، وضع بين أيديهم أمانةً؛ فرّطوا فيها، وقد جعلها لهم أرضًا خصْبة حتى يغرسوا فيها نباتات, وازهارًا ورياحين؛ لكنّهم تركوها جدباء مُقفرة، وسيكتشفون عند كِبرهم، أنّها لم تعطِ الثمار، وإنّما بقيت صحراء خالية، وسيعرفون، بعد فوات الأوان، أنّ قلوب أبنائهم مُتَحَجِّرة وقاسيّة وجامِدة، خالية من أّية عاطفة مثل قلوبهم! وسينصرف هؤلاء الأبناء عنهم، مثلما انصرفوا عنهم في صغرهم! أيها الآباء الغافلون، لا تزال هناك فُسحةٌ من أمل، ولا يزال في العمر بقيّة، حتى تستدْركوا أمركم، فلا تتركوا أبناءكم يتخبّطون في سُبُلِ الشيطان، وحتى تعلموا بأنّ «الجوال» والألعاب والألبسة التي تشترونها لهم لن تُفدهم، وقد تكون سببًا في انحرافهم وشذوذهم!... واعلموا بأنّ هؤلاء الأبناء المُهْمَلين، حاولوا كثيرًا معكم حتى يُلفتوا انتباهكم إلى حاجاتهم الغريزيّة في الرعاية والحنان والاهتمام، وحاولوا كثيرًا معكم؛ لكنّكم كنتم غافلين!... فلا تلوموا إلّا أنفسكم؛ إذا رأيتموهم مُتمردين وضائعين وتائهين مثلكم!... ومع ذلك؛ لا يزال هناك أمل أنْ تعودوا إلى رشدكم وتستدركوا أمركم، قبل فوات الأوان!
مشاركة :