لا شكّ؛ بأنّ بعض النّاس مُثقلون بالهموم والجِراح، والهواجس والوساوس التي تنتابهم، بين الفينة والأخرى، لكنّهم يتوجّهون إلى ما يزيدهم أسى وحزنا، بدلا من أنْ يسعوا لعلاج ما حلّ بهم؛ فيجعلون ممّا أصابهم مُغتسلا يلجؤون إليه؛ فينْغمسون في هذه الوهدة من الغَمّ والنَكَد ويغتسلون بها؛ ثم يمشون بين النّاس، وقد أصبحت وجوههم عابسة ومُتجهمّة وكالحة، وجعلوا من الكَدر والشؤم عنوانين لحياتهم؛ فيلْقون الناّس وقد قطبوا وجوههم وأغلقوا عليها جميع منافذ البشاشة، وغيّبوا عنها الابتسامة، بعد أنْ عطّلوها، ولم يعودوا يعرفون في حياتهم الانشراح واللطافة والدَماثَة. هؤلاء المتشائمون لا يعرفون بأنّ دواءَ وعلاج ما همْ فيه، بسيطٌ للغايّة، ولا يكلّفهم كثيرًا، ولا يأخذ منهم جهدًا عظيمًا... إنّه العلاج بالبسمة، وهي بمثابة الدواء الناجع لطرد جميع ما عندهم من مشاعر سوداويّة... إنّها البسمة التي سوف تساهم في فتح المنافذ للسعادة لتأخذ دورها، وحتى تنشر ظلالها عليهم، والتي سوف تساهم في تنقيّة قلوبهم وصدورهم من الكَدر... إنّها البسمة؛ التي لو لجأوا إليها؛ لاكتشفوا بأنّ لديهم قلوبًا خيّرة ونقيّة وطاهرة، وخالية من الأضغان والأحقاد والفظاظة، وسوف يجدون بأنّهم يملكون خفّة الروح وانشراحًا في الصدر وظرافة في الطبع... نعم؛ هي ليست بسمة فحسب!! بل هي ذاتُ معانٍ كبيرة؛ وسوف يعرف من يراها في وجوههم؛ بأنّ هؤلاء يعيشون حياتهم في يُسرٍ وهناء ورفاهية، وسيكتشفون بأنّهم من الميسورين والأثرياء والأغنياء؛ لا بالمال وإنّما في وفرة محاسن الأخلاق، وفي بركة العمر. قد لا تجد سببًا عند بعض منْ لا يبتسمون؛ وقد لا تجد لهم عذرًا؛ فهم لا يشتكون من مرضٍ أصابهم، ولا من مصيبةٍ حلّت عليهم، ولا من بلاءٍ كدّر عليهم حياتهم، وإنّما اختاروا بأنفسهم ألا يظهروا البسمة؛ لأنّهم يريدون أنْ يفهمهم النّاس من حولهم؛ بأنّهم من رفيعي الشأن والمكانة، وأنّهم يملكون الجاه والقوّة، وأنّهم ليسوا بضعفاء؛ فيلجأون إلى العبوس والقنوط، ويجعلونهما وسيلة من وسائل الكِبر والأنفة؛ لأنّهم يعيشون لذواتهم، ويبحثون عن أمجادٍ مزعومة، وكأنّهم يريدون أنْ يسدّوا نواقصهم وعيوبهم بتصّنع التجهم والفظاظة، فتجدهم، أينما حلّوا، عابسي الوجه وقاطبي الجبين، يريدون أنْ يشعروا النّاس بأنّهم منزَّهين ومُترفعين عنهم. قد لا تكون من أصحاب المال والثروات؛ لتُنْفق منه، ولتنشر الفرح وتوزعه على الفقراء والمساكين، لكنّك وبثمنٍ بخسٍ بسيط، تستطيع أنْ تنال ما يناله هؤلاء المُنفقون... إنّها البسْمة التي سوف تنال بها أجورًا عظيمة؛ لأنّك قمت بنشر الرحابة والفرحة بين الناس، ولأنك آنستهم بُلقياك وأشعرتهم بمحبّتك ورضاك عنهم... سوف ترى بأنّك بتبسّمك أشعْت البِشر والمودّة والمحبّة، ودفعت عن الناس الإيحاش، وجبرت خواطرهم، وساهمت في زيادة الألفة فيما بينهم... وفوق هذا وذاك، فإنّك سوف تحصل، من ورائها، على أمرٍ عظيم؛ لأنّك أسْرت هؤلاء النّاس بمحبّتهم لك، واستطعت اصطياد قلوبهم؛ التي تصبح مُسخّرة لك، وتخْفق بالفرح لملاقاتك، ويستبشرون خيرًا عندما يرونك، وينالهم السّرور عندما تهلّ طلعتك عليهم. ابتسم دائمًا، وحاول أنْ تحرّك عضلات الوجه المسؤولة عنها، واعلم بأنّها قليلة قياسًا بالعضلات المسؤولة عن التجهّم والعبوس... فالبسمة تُشرف عليها بضع عضلاتٍ في الوجه، بينما التجهّم يتطلّب تحريك معظم عضلات الوجه ... ابتسم وسوف تجد نفسك من العظماء والنبلاء بين الناس، وسوف يصبح ذِكرك الطيب على كلّ لسان، وسوف تُصبح من الأغنياء والأثرياء رغم قلّة المال عندك... ابتسم عندما تكون في موقفٍ مأزوم، ولا تدعهم يرون ضعفك أو يعرفون بأنّك مهزوم... ابتسم عندما يشتدّ عليك الألم، وستجد بأنّك قد قهرته وغلبته، وأنّك لم تحنِْ له ظهرك... ابتسم عندما تكتشف بأنّ لديك نواقص وعيوبا، وسوف ترى بأنّ البسمة أخفتها، بينما الجزع والقنوط والعبوس يُظهرها للناس مكشوفة وظاهرة... ابتسم لترى وقد تألقت روحك، وخرجت من داخلك فضائل ومعانٍ كثيرة؛ كانت خفيّة ومدفونة، وإذا بالبسمة أطلقتها من عِقالها.
مشاركة :