الحزن على أعياد لم نقدِّرها حق قدرها - د.عبدالله بن موسى الطاير

  • 5/25/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أبو الطيب المتنبي المتوفى عام 965م، يخاطب عيده حزيناً قائلاً: عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ فيجاوبه الرئيس دونالد ترمب عام 2020م: اسأل الصين بماذا عاد العيد. بين السؤال الاستنكاري والجواب الساخر 1055 سنة، وبين السائل والمجاوب آلاف الأميال. هكذا يستخف الناس، أو يصنعون تساليهم في زمن كورونا. إنه عيد بطعم القطيعة، ورائحة الحظر، ولون الوباء. يشرق نهاره حزيناً، ويغشانا ليله بائساً، فضحكات الأطفال، وملابسهم الزاهية لم تلامس صفحة الشمس في هذا العيد ربما لأول مرة منذ صيم رمضان وختم بالعيد احتفالاً بتمام العبادة. الغريب العجيب أن البعض افتقد العيد هذا العام مع أنه لا يقدِّره حق قدره في كل عام؛ فهو يصلي (إن واصل ليله إلى شروق الشمس، ثم ينام بقية النهار)، ولكن لأن مظاهر العيد معطَّلة بأمر من كورونا، فإن طبيعة النفس البشرية الجزع على كل ما لا تستطيع، على الرغم من عدم ممارسته في وقته المستطاع. أتذكر أننا كنا نصلي العيد صغاراً ثم نبدأ بأقرب بيوت القرية إلى المصلى فندخلها بيتاً بيتاً نسلَّم على كل من نلتقيه من الرجال والنساء والأطفال، ولا نزيد في كل بيت على فنجان واحد من القهوة، ولقمة من كل طبق تم تقديمه من الأكلات الشعبية الدسمة في غالب الأحيان، ثم ننتقل للبيت الذي يليه نقطع عدة كيلوا مترات مشياً على الأقدام، ليس اختياراً، ولكن لعدم وجود سيارات حينها. ثم تطورنا للخلف لدرجة إقفال البعض أبوابهم يوم العيد، فالكل نائم على نظام رمضان، لكن ومع كل ذلك فإننا نشعر بالحسرة على فوات هذا العيد الذي حبسنا عنه حابس الخوف من الوباء. البعض فتح نوافذ بيته للاستماع للتكبيرات التي ترتفع من المساجد المجاورة، وآخر افترش فناء منزله وفرش سفرته مع أسرته، وربما غمرتهم الدموع فقد زادت جرعة الحزن التي تنساب من بين ثانيا فرحة العيد أضعافاً هذا العيد. وأما قوم آخرون فقد كبّروا وسائد النوم عاذرين أنفسهم. وجميع هذه الفئات أخذت على نفوسها مواثيق مغلظة إن عاد العيد وقد انجلى الوباء أن تعيش العيد فرحة كما يجب. إنه العيد في زمن كورونا، بعد سنوات سيرويه السلف للخلف وسيكون علامة قاتمة في صفحة الزمن يراها المسلمون في كل عيد لاحق، ولعلها حينئذ تحثهم على الاستمتاع بالعيد. ولأنني لم أصل العيد بالأمس فقد سخّرت وقتي لاستذكار العيد، وكيف كنت أذهب من قرية لزيارة أقارب في قرية ثانية فأجدهم ما زالوا في المصلى تحت حرارة الشمس، وكيف أن أئمة اشتهروا بتأخير الصلاة وآخرون بتقديمها ولا تفصل بينهم سوى بضعة كيلوا مترات، ثم أتذكّر ذلك الفاضل -رحمه الله- الذي صلى بالناس العيد، وبدأ الخطبة يقرأ في كتاب يلازمه كل عيد، وعندما أوشك على الانتهاء أدرك أنه يقرأ على المصلين خطبة عيد الأضحى صبيحة عيد الفطر، فاعتذر وبدأ من أول السطر والمصلون تحت لهيب الشمس. أما خطيب الآخر، فكان قد حصل على الوظيفة بعد التوسع في بناء المساجد وتوظيف المؤذنين والخطباء بدون تدقيق في قدرتهم على القراءة والكتابة، فوق يخطب يوم العيد وأمامه المصلون يؤمّنون على ما يقول فإذا به يقرأ عليهم وقد بح صوته، يغالب العبرات من التأثر: (إن الزناعم والبلاعم واحد وخمسين واحد وخمسين)، فلما انتهى من الخطبة طلب منه أحد المصلين أن يريه الكتاب الذي خطب منه، فوجد أن العبارة قد كتبت هكذا: (إن الزنا عمّ، والبلاء عمّ آه آه). عزيزي الذي حاق بيوم عيده البؤس، تفكر فيمن يعيدون كل عام في زمن الحروب وليس زمن كورونا، وأولئك الذين يتعيدون سنوياً في الملاجئ والمهاجر والمآتم. سيكون عيدك حتى في زمن كوفيد-19 أفضل، فاحمد الله على نعمه. عاد عيدكم الطبيعي قريبًا إن شاء الله.

مشاركة :