على مدى 12 عامًا، وبسبب إجراءات حظر التجوال المفروض على العاصمة العراقية بغداد، اختفت طقوس السهرات الرمضانية المميزة خارج البيت حتى نسيها البغداديون وصاروا ينامون مبكرا ليصحوا على صوت المسحراتي فقط، أو يسهروا على ما يقدمه لهم التلفزيون من برامج ترفيهية ومسابقات ومسلسلات. لكنهم اليوم وفي رمضان الموسم الحالي استطاعوا إحياء طقوسهم وبعث الحياة فيها من جديد بعد قرار رفع حظر التجوال قبل أشهر من قبل الحكومة العراقية كجزء من تخفيف الإجراءات الأمنية الصارمة. العوائل العراقية صار بإمكانها قضاء الأمسيات الرمضانية في النوادي والفنادق وتناول وجبات السحور في المطاعم التي راحت تتسابق في الإعلان عن وجباتها المنوعة والفاخرة لاجتذاب زوارها حتى ساعات الفجر، حتى إن بعضها صار يعتمد مبدأ الحجز المسبق لوجباتها. ورغم أن شهر رمضان أطل على العراقيين هذا العام وهم يعيشون محنة الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي الذي أحكم سيطرته على مناطق واسعة من البلاد، وخلف معه معاناة الآلاف من العوائل النازحة والمهجرة والسبية والمهددة، إلا أن طقوسه وعباداته ركزت على توحيد الصفوف لأجل هزيمته، والتضرع لله سبحانه لأجل إنهاء معاناة النازحين وعودتهم لديارهم. الحاجة أم غسان، تسكن منطقة الأعظمية شمال شرقي بغداد، قالت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «رمضان هذا العام يحمل معه بشائر الخير، حيث حركة الناس في الأسواق والمطاعم والمتنزهات، بغداد ستبقى نابضة بالحياة، ولا يمكن قتلها أو إرهابها». وأضافت: «ندعو الله في كل أذان وفي كل موعد إفطار إلى إحلال السلام والأمن على بلادنا والقضاء على الإرهاب وعودة النازحين إلى ديارهم». الطالب سجاد حسن (20 عامًا) يسكن منطقة المنصور (غرب بغداد) وهي إحدى المناطق الراقية في العاصمة، قال: «حاولت بالأمس مع أصدقائي إيجاد مكان مناسب لتناول وجبة السحور في مطعم قريب كان قد أعلن عن قائمة مغرية من الوجبات لكننا لم نستطع بسبب الزحام الكبير عليه، وهي حالة تحصل لأول مرة منذ سنوات، وشعرنا بعودة الحياة فعلا إلى بغداد، وهي تستعيد سهراتها ولياليها». منتظر الزيادي، صاحب مطعم أغصان الزيتون في منطقة الجادرية (جنوب غربي بغداد) وضع لافتة كبيرة في مقدمة محله تعلن عن استقبال الزبائن طيلة شهر رمضان وتقديم وجبات مميزة في فترتي الفطور والسحور الذي يمتد وقته حتى إعلان ساعة الإمساك. قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «القوات الأمنية العراقية تساعدنا وهي تبسط الأمن في بغداد، ونتمنى أن تستمر أعوامنا على أفضل حال، ونشهد القضاء على كل أشكال الإرهاب في العالم». أما «مول المنصور» (إحدى أكبر أسواقها التجارية المكتظة) فقد غير مواعيد افتتاحه المعتادة ليبدأ من الساعة الثانية ظهر كل يوم، ويستمر حتى الثالثة بعد منتصف الليل، وهو يجذب زواره ويستقبل الآلاف من الزوار يوميًا ويشهد الكثير من الفعاليات الفنية والمسابقات واجتذاب القنوات الفضائية المحلية في برامج المنوعات التي تذاع في هذا الشهر. تقول ساهرة أحمد إحدى الزائرات التي اصطحبت عائلتها لتناول المرطبات في المول: «انتهزنا فرصة إنهاء حظر التجوال، وافتتاح المطاعم في رمضان حتى فترات السحور لننعم بفترات راحة وتغير أجواء، يساعدنا في ذلك استتباب الأمن بجهود القوات الأمنية الموجودة بكثرة قرب المكان». ولم تخلُ الأزقة البغدادية من ممارسة أهم ألعابها الشهيرة في رمضان، لعبة «المحيبس»، التي حبستها الإجراءات الأمنية طيلة السنوات الماضية عن إقامتها، لكنها اليوم تعود بقوة وهي تجري بين سكنة محلتين متجاورتين حتى ساعات متأخرة من الليل، وعلى الخاسر جلب (صواني) الحلويات مثل الزلابية والبقلاوة لتوزيعها بين الحاضرين وسط أجواء ممتعة. كما يقيم الشباب العراقي بطولات لكرة القدم في ملاعب مغلقة بعد الإفطار تتبارى فيها فرق رياضية من مناطق متعددة، وقد سهلت إجراءات رفع حظر التجوال من حرية انتقال الفرق الرياضية بين أحياء بغداد في ظل منافسة يحضرها حشد من المشجعين. فيما يحرص آخرون على إحياء بعض ليالي شهر رمضان قرب الأضرحة في بغداد وكربلاء والنجف والحلة ومناطق أخرى من العراق، حيث تكتظ بآلاف من الزوار يوميا في ظل إجراءات أمنية مشددة
مشاركة :