حيث تسير في أزقة طهران وشوارعها قبل ساعات من الإفطار، تنعشك روائح الأكل المختلفة التي تفوح من نوافذ البيوت، من الخضار المطبوخ والزعفران والأرز والحلويات، كأن كل وجبة مهرجان من الروائح والنكهات والألوان. كثير من المطاعم أيضاً لها عاداتها في استقبال الشهر الفضيل، اذ تكون مغلقة طوال ساعات النهار، وتتهيأ قبل الإفطار وتطبخ في القدور الكبيرة الشوربات الإيرانية المعروفة باسم «آش»، وأشهرها «آش رشته»، و»آش شُله قلم كار» التي تعدّ بالخضار، والحبوب، وتزيّن بطريقة مغرية بالكشك والبصل والنعناع المقليين، والزعفران. وهناك أيضاً «الهريس» وهي أكلة تطبح بالقمح واللحم، وتزّين بالسمن البلدي والسكّر والقرفة. وتلاحظ في الشوارع الطوابير الطويلة التي يصطف فيها الصائمون لشراء هذه الأكلات التي يبدأون بها وجبة إفطارهم بعد الشاي والتمر، إضافة إلى الطوابير التي تنتظر الخبز الإيراني المعروف «سنگك» الذي يخبز في فرن تقليدي وعلى الحصى، وأنواع أخرى من الخبز كالـ»بَربَري» السميك، والـ»تافتون» الرقيق. ومن أكثر الأشياء التي يحتفي بها الإيرانيون على مدى شهر رمضان، الحياة الليلية التي تبدأ في الشوارع والمقاهي والمطاعم ودور السينما التي تعرض الأفلام حتى الساعة الثالثة صباحاً، وتشهد كل ليلة ازدحاما كبيراً في طهران، اذ لا يُجرب الإيرانيون هذه الحياة الليلية إلا في هذا الشهر المبارك. وتخفض أسعار التذاكر خلال هذا الشهر، ويقصد كثير من الشباب والعائلات دور السينما في مختلف أنحاء المدينة، لا سيما في مجمع «كوروش» التجاري الحديث التأسيس والذي يضم 12 صالة لعرض الأفلام، ومجمّع «بَرديس ملّت» السينمائي. وفي بادرة جميلة، وضعت البلدية في محطات المترو في طهران أجنحة صغيرة تحتوي على مشارب للماء للذين لا يتمكنون من الصيام من مسافرين، وكبار في السنّ، وأمهات مرضعات وأطفال ومرضى، ليتمكنوا من شرب الماء. ووُضع الى جانب كل من هذه الغرف تمثال ورقي لمسافر أو رجل عجوز وغيرهم، کُتب عليه اعتذار للصائمين. وتحتفل كل منطقة إيرانية بهذا الشهر وفق تراثها، فيطهو أهلها أكلاتهم الخاصة وأنواعاً كثيرة من الخبز والحلويات، ويخرجون ضمن مجموعات كبيرة بحسب طقس كل منطقة إلى الحدائق أو الشواطئ أو بيوت بعضهم البعض. في محافظات مثل خوزستان (الأهواز) وبوشِهر، يُحيي كثير من الناس عادة تاريخية تسمّى «كركعان» (قرقيعان)، وهي احتفال جميل يحييه الأطفال. ولا ينحصر هذا الطقس في المنطقتين، بل هو موجود في تراث واسع ومشترك يشمل العراق والبحرين والكويت والإمارات وقطر وشرق المملكة العربية السعودية ويسمّى بأسماء مختلفة في كل من هذه البلدان. وفي هذا الإحتفال الذي يكون في الليلة الخامسة عشرة من شهر رمضان يخرج الأطفال بعد الإفطار مرتدين الأزياء التقليدية، وحاملين بأيديهم أكياساً ليجمعوا الحلويات والهدايا من الجيران والأقارب، وينقسمون أحياناً إلى فريقين، يهتف الأول: «قرقيعان وقرقيعان» فيردّ الآخر «الله يعطيكم رضعان» (الله يعطيكم أطفال)! أما المواطنون الأكراد في إيران فيحتفلون أيضاً بطريقتهم الخاصة بشهر رمضان منذ رؤية هلال الشهر، بطبخ أكلات مختلفة، وكعادة قديمة تعدّ ربات البيوت في كردستان خبزاً تقليدياً يسمّى «كوليره»، في الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان، أي ليلة القدر الأخيرة، ومن ثم يوزّع بين الجيران وأهل الحيّ. اما في محافظة سيستان وبلوتشستان الواقعة في جنوب شرق إيران، فهناك كثير من الأطباق الشهية الخاصة بشهر رمضان منها «تباهك» (Tabaheg)، وهو الطبق الأشهر لوجبة السحور بين «البلوش»، ويتكون من الأرز، واللحم المقدد الذي يجففونه ممزوجاً بالملح ومسحوق حَبّ الرمان. و»تشانكال» (Changal)، هي الأكلة الخاصة بالإفطار في بلوتشستان، وتطبخ بالتمر والعجين نصف المخبوز والسمن البلدي، اضافة إلى كثير من الحلويات التي تعدّ بواسطة التمر في هذه المنطقة، والخبز بالزيت، وأنواع المنتجات اللبنية المحلية. واستعداداً لعيد الفطر، يمارس صائمو رمضان في كل من المحافظات والمناطق طقوسهم وفق عاداتهم القديمة من تنظيف البيوت، وشراء المكسرات والحلويات، والملابس الجديدة، والزيارات. وعلى سبيل المثال، في صباح العيد يطبخ الأكراد في محافظة «كرمانشاه» (غرب إيران)، أكلة مكونة من القمح واللحم شبيهة بالـ«هريس»، تسمى «كَشكَك»، يقدمونها صباح العيد لضيوفهم. أما في محافظة «كُلِستان» (شمال إيران)، ومحافظة «خُراسان الشمالية»، فيخرج التركمان وفق عادة قديمة في صباح العيد إلى الطبيعة الخضراء وإلى سهل يسمّى «عيدكاه» أي «مكان العيد»، وذلك من أجل إقامة صلاة العيد، ثم يقومون بزيارات تهنئة بعضهم لبعض.
مشاركة :