من أسباب السعادة الخفية في (العيد المصاحب لكورونا) -برأيي- هو اختفاء سلم المقارنات القاتل والمحبط مع الآخرين في المجتمع؛ فالناس أشبه بأسنان المشط؛ الجميع معزول في مكانه، لا سباق مقارنات حول ارتداء أغلى الماركات، ولا أفضل الملابس، ولا السفر لأبعد البلدان بحثًا عن البهجة والفرح؛ وهو ما أحدث نوعًا من القناعة والرضا المجتمعي على طريقة (الهدنة) غير المعلنة. عيدك في بيتك، وسعادتك من صنع يدك بما يتوافر لديك. لا ميزة لغني على فقير، ولا فضل لمقتدر على معسر؛ فلا مصاريف خاطئة، ولا أوقات مهدرة في الأسواق، ولا حسرات وآهات بسبب ما تحمله (شاشات) الهواتف الذكية في مثل هذه الأيام من السنة. بعيدًا عن الفلسفة، إذا كان (أرسطو) يرى أن السعادة تكمن في سد الاحتياجات فالمريض يرى السعادة في الصحة، والفقير يراها في المال، بينما المسجون يعتقد أن السعادة في الحرية.. وهكذا؛ فعلينا إضافة مفهوم جديد عن السعادة من خلال تجربتنا الحالية بتأكيد أهمية وأثر (القناعة) للشعور بالراحة في (موسم أعياد) عزلنا فيها (فيروس كورونا) عندما جعل صحة الجميع مهددة، وحريتهم مسلوبة، ومالهم عديم الجدوى في ظل محدودية القدرة على الإفادة منه إلا أننا ظللنا نحاول ونبحث عن أسهل الطرق للسعادة بأبسط مفاهيمها؛ ما يدل على أن السعادة قريبة جدًّا في مختلف ظروف حياتنا وأوقاتنا، نستطيع أن نضحك ونبتسم في أصعب الظروف، طالما أن هناك بصيص أمل، ونورًا يسطع في نهاية كل نفق، شريطة أن نبحث عن سعادتنا بانشغالنا بأنفسنا بعيدًا عن مقارنة مؤشرها بالآخرين وما لديهم، أو العيش على (أطلال الماضي) كما هو حال نفر من النكديين. لا تسمح بأن تُسلب بسمتك وتُصادَر سعادتك نتيجة تلك المقارنات حول ما لدى الآخرين وما يحصلون عليه، وإذا كان لا بد فاجعل المقارنات في مكانها الصحيح؛ فمثلاً: أنت اليوم محظوظ جدًّا كونك تعيش في بقعة محمية من انتشار فظيع للعدوى في العالم، وسط انهيار أنظمة صحية، وعدم توافر أسرّة في مستشفيات كثيرة في بلدان أخرى. أعداد الوفيات لدينا قليلة جدًّا، ونسبة التعافي في ارتفاع. جميع المؤشرات تدعو للتفاؤل والشعور بالسعادة. وظيفتك محفوظة، وراتبك محمي، وسط نقص الأجور الأساسية وفقدان الوظائف.. إلخ. إذا أردت أن تدخل سباق المقارنات فاختر الزاوية الصحيحة التي تُشعرك بالسعادة، وتبعث على التفاؤل لك (كشخص)، قبل أن نشعر به جميعًا (كمجتمع) محظوظ. وعلى دروب الخير نلتقي.
مشاركة :