تبدي أنقرة اهتماما مؤخرا بالتوجه نحو الشعوب الناطقة بالروسية، بعد سنوات طويلة من تركيز جهودها على مد نفوذها في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، فأطلقت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية منصة إلكترونية باللغة الروسية، لمواجهة الحضور الإعلامي الروسي الواسع في تلك المناطق ومحاولة التأثير عليها. أنقرة- توجهت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (تي.آر.تي)، للناطقين باللغة الروسية عبر منصة إخبارية على الإنترنت، بالتزامن مع اهتمام تركي بتعزيز النفوذ في دول الاتحاد السوفييتي السابق. وقالت المؤسسة التركية، في بيان إعلان انطلاقة المنصة باللغة الأجنبية الرابعة، بعد العربية والإنجليزية والألمانية، إنها واصلت زيادة وتعزيز بث اللغات الأجنبية، مضيفة أن “المنصة تهدف لأن تكون مؤثرة بتغطيتها الروسية من خلال المقابلات الإعلامية والتقارير ومقاطع الفيديو”. ولا تعتبر هذه الخطوة مفاجئة، بقدر ما هي متأخرة نظرا للتطورات السياسية المتلاحقة في السنوات الأخيرة، والتجاذبات الروسية -التركية في مختلف الملفات، والتي انفردت موسكو بتغطيتها وتحليلها وتوجيهها وفق رؤيتها، ليس فقط في روسيا والمناطق التابعة لها فقط، لكن في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي يتحدث قسم من سكانها بالروسية وتعتبر لغة ثانوية في البلاد، مثل أوكرانيا وجورجيا وأرمينيا وإستونيا وتركمانستان وأوزبكستان وغيرها. كما أن اعتماد أنقرة على المسلسلات الدرامية كقوة ناعمة لنشر أفكارها وثقافتها وسرد القصص التاريخية والبطولات العثمانية، ليس مجديا في هذه الجمهوريات التي شهدت الهزائم العسكرية المتلاحقة للإمبراطورية العثمانية، إضافة إلى الحضور الإعلامي الروسي الواضح فيها، دون منافسة تركية تذكر بشأن تغطية الأحداث الحالية خصوصا تلك التي تثير الجدل وتمس تركيا وسياساتها الإقليمية والدولية. ومع انطلاقه، أبرز الموقع على صفحته الرئيسية أهدافه وتوجهاته على لسان كتابه، فأجاب عبدالله أرسلان على سؤال “ما سبب أهمية شمال القوقاز؟”، بالقول: “على مر التاريخ، كان شمال القوقاز مسرحًا لصراع القوى المختلفة التي سعت إلى الاستحواذ على حضارات معينة في المنطقة، وفي عصرنا الحالي باتت تمتلك أهمية استراتيجية، دول الشرق وفي مقدمتها تركيا لها أهمية خاصة بالنسبة لروسيا”. بدوره طرح شامل سلطانوف مسألة “ما الذي يوحد ويفرق موسكو وأنقرة؟”، ليجيب بأن “كل من الناس والبلدان توحدهم المصالح المشتركة، والمنصة حريصة على الموضوعية في المقام الأول. وتهتم في تغطيتها وعملها بثلاثة عناصر، الحيوية والاستراتيجية والآنية”. طموح نحو زعامة الدول طموح نحو زعامة الدول لكن بمجرد التأمل الهادئ لنوعية الخطاب السياسي الذي اعتمده الموقع بعد أيام من انطلاقه، يجعلنا نكون حذرين في التعامل مع محتواه المنحاز بشكل مكشوف. وركز محمد يانديف على مرحلة ما بعد كورونا، وكتب “نتطلع جميعا إلى نهاية الجائحة والتدابير التقييدية وحرية الحركة. عاجلاً أم آجلاً سيحدث هذا، ثم سنعود إلى الحياة الطبيعية، بما في ذلك الاتصالات مع الدول الأجنبية”. ويرى متابعون أن هذه الخطوة مدفوعة أيضا بجملة من الأحداث الأخيرة التي تعرضت فيها السياسة التركية ممثلة بأعلى هرمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للإحراج عبر وسائل الإعلام الروسية التي سربت أخبار ومقاطع فيديو أكثر من مرة، تظهر تعمد موسكو إحراجه، فيما اكتفت وسائل الإعلام التركية باستنكار التسريبات والتنديد بها في منصاتها باللغة التركية والعربية، وظهرت عاجزة أمام آلة الإعلام الروسي في مناطق شاسعة تهتم بها تركيا. وذهب محللون إلى القول أن التوجه الإعلامي نحو الشعوب الناطق بالروسية هي خطوة بديهية، بل إن منصة واحدة ليست كافية بالنظر إلى محاولات أردوغان تعزيز نفوذ بلاده في دول الاتحاد السوفييتي السابق، التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية البائدة، خاصة بعد فشل أردوغان الذريع في الزعامة الإسلامية وحتى على مستوى محيطه الإقليمي. وقال الكسندر سامسونوف، في مقال نشرته صحيفة “فوينيه أوبزرينيه” الروسية، إنّه “بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت تركيا تدريجياً في بناء سياسة عسكرية وسياسة واقتصادية جديدة في المناطق التي كانت في السابق جزءا من الإمبراطورية العثمانية، في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز. وهذه العملية ملحوظة بشكل خاص في ظل حكم رجب طيب أردوغان”. وهاجم الكاتب في مقال نشرته أيضاً “روسيا اليوم” باللغة العربية، مسار أردوغان الواضح نحو أسلمة المجتمع، فهو “لا يتصرف كرئيس منتخب ديمقراطياً، إنما كخليفة وسلطان، كرئيس العالم الإسلامي والتركي”. وحذّر من طموح أنقرة نحو زعامة الدول من حولها، عبر توحيد أذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان، لاسيّما وأنّ لتركيا مصالحها الخاصة في القرم، وفي تتارستان وبشكيريا. سرد البطولات العثمانية عبر المسلسلات التركية ليس مجديا في جمهوريات شهدت الهزائم العسكرية المتلاحقة للأتراك وتطرقت صحيفة “إزفستيا” إلى سعي أنقرة للسيطرة على هذه الجمهوريات، حتى لو كان ذلك على حساب روسيا، وذلك في تقرير بعنوان “تركيا تزاحم روسيا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي”. وبالتأكيد يجب أن تترافق هذه التحركات السياسية بمواكبة إعلامية وتغطية واسعة، لكن من غير المرجح أن تستطيع منصة واحدة القيام بما يكفي في هذا الإطار، خاصة مع تبعيتها للدولة التركية المعروفة بمحاصرتها للأقلام المستقلة واستهداف الأصوات المعارضة. لذلك فإن الترويج للموضوعية يبدو غير ذي أثر كبير في إعلان المؤسسة أن “تي.آر.تي الروسية ستركز على أن تكون المنصة موقعا متوازنا وإعلاميا للتعبير في العالم الناطق بالروسية وفي جميع أنحاء العالم. وستلعب المنصة بجودة صحافتها دورا فعالا في مواجهة التضليل الإعلامي باعتبارها مصدرا موثوقا للأخبار في العالم الناطق بالروسية”. وأشارت إلى أن المنصة ستتوجه للمجتمعات الناطقة باللغة الروسية عبر محتواها الذي ستنشره على الشبكات الاجتماعية مثل يوتيوب وفيسبوك وتويتر وإنستغرام وتلغرام.
مشاركة :