دمشق – شهدت محافظة إدلب ومحيطها الأربعاء حدثين ميدانيين لا يخلوان من دلالات، وهما استهداف دورية تركية على الطريق الدولي أم 4، ومستودع أسلحة تابع للحزب الإسلامي التركستاني في ريف جسر الشغور وسط تحليق مكثف للطيران الروسي. ويأتي الحدثان بعد فترة هدوء طويلة نسبيا شهدتها المنطقة بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار جرى التوصل إليه بين روسيا وتركيا في مارس الماضي. ويقول محللون إن أطرافا عدة قد تكون خلف استهداف الدورية التركية الذي جرى بقنبلة وخلف إصابات في صفوف الجنود الأتراك بعضهم في حالة حرجة. ومن بين هذه الأطراف الفصائل الجهادية المعارضة لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي تخشى من تبعاته على نفوذها في المنطقة. ويشير المحللون إلى أنه لا يمكن استبعاد أيضا فرضية وقوف النظام السوري أو روسيا خلف الهجوم على الدورية التركية، لاسيما وأنه تزامن مع استهداف مستودع للأسلحة تابع للحزب التركستاني الموالي لأنقرة، والذي أدى إلى مقتل 6 عناصر في صفوفه على الأقل. ويلفت المحللون إلى أن هذا الاستهداف لتركيا والموالين لها يأتي مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار مرحلته الثانية، والتي تقضي بانسحاب الفصائل الموالية لأنقرة مسافة 7 كيلومترات من جبهات تل تمر وأبو رأسين شمال الحسكة بالإضافة إلى وقف العمليات القتالية بشكل كامل في المنطقة، تمهيدا لفتح الطريق الدولي أم 4. ويتشكك الروس في جدية تركيا خاصة حيال تنفيذ الشرط المتعلق بانسحاب الفصائل من جنبات الطريق الدولي، حيث أن أنقرة لم تقم بأي خطوة عملية على الأرض، بل العكس سارعت لتعزيز قواتها في منطقة خفض التصعيد مع استقدام منظومات للدفاع جوي. وقامت تركيا خلال الأيام القليلة الماضية بنشر منظومات صاروخية دفاعية في أرياف إدلب، وسط اعتقاد بأن تركيا تتحسب لانهيار اتفاق وقف إطلاق النار. تركيا تنشر منظومات للدفاع الجوي في منطقة خفض التصعيد استعدادا لامكانية انهيار اتفاق إدلب وأظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية قيام الجيش التركي بنشر منظومة صواريخ دفاع جوي متوسطة المدى من نوع “هوك أم.آي.أم – 23”. في مطار تفتناز بريف إدلب الشمالي الشرقي. وصُنعت هذه المنظومة من قبل شركة “ريثيون” الأميركية، وتهاجم الطائرات على ارتفاع منخفض أثناء التحليق، بدءا من 60 مترا، وصولا إلى ارتفاع 20 كيلومترا عن سطح الأرض، ويبلغ مدى صواريخها 40 كيلومترا، بعد التعديلات التي أجريت عليها. ويقول خبراء عسكريون إن إقدام تركيا على جلب تلك المنظومات إلى منطقة خفض التصعيد والتي تعرف بمنطقة “بوتين – أردوغان” لا يمكن أن يكون المستهدف منه الفصائل الجهادية المعارضة للاتفاق بل النظام السوري وروسيا اللذين يملكان السيطرة على أجواء المنطقة. وهذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها تركيا هذا النوع من المنظومات داخل الأراضي السورية، حيث سبق ونشرت واحدة منها في عام 2018، في مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي. ويوضح الخبراء أن تركيا المزهوة بالإنجازات العسكرية التي حققتها في ليبيا، ترنو على ما يبدو إلى قلب موازين القوى في إدلب، وهذا ما يفسر تعزيز حضورها العسكري بحشد الآلاف من جنودها، فضلا عن نشرها منظومة الدفاع الجوي. ويرى هؤلاء أن تركيا تتناسى واقع أن الوضع في سوريا مغاير تماما عن ليبيا من الناحية القانونية، فعلى خلاف ليبيا حيث تستغل أنقرة ثغرة تمتع حكومة الوفاق بالمشروعية الدولية، فإن هذا الغطاء غير متوفر لها في سوريا، فضلا عن كون روسيا لن تقبل بالمطلق التنازل عن إنجازاتها في هذا البلد في ظل التكلفة الباهظة التي تحملتها منذ تدخلها المباشر في العام 2015. ويقول الخبراء إنه في ظل مسار الأحداث فإن هناك إمكانية كبيرة لانهيار الاتفاق الروسي التركي في إدلب، وإن مواجهة جديدة من الممكن أن تندلع في المحافظة ومحيطها لن تكون بالمطلق كسابقاتها حيث أن النظام السوري ومن خلفه موسكو سيسعيان جاهدين لحسم المعركة هذه المرة. وشهد ريف حلب الغربي ما بعد منتصف ليل الثلاثاء – الأربعاء اشتباكات بين الفصائل الموالية لتركيا، والقوات السورية، فيما أقدمت الأخيرة الأربعاء على استهداف أماكن في الفطيرة وسفوهن ومحيط كنصفرة بجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.
مشاركة :