مراسم العزاء بعد كورونا - صحيفة الوطن نيوز

  • 5/28/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

هل تصبح المواساة والعزاء لأهل الميت دون طعام وتفنن بنوع الأكل والفواكه والعصيرات والقهوة والشاي ، وعدم البقاء طويلا بين تدخين وحديث ومزح بينما أهل الميت في حزن دفين ويتجمّلون كذبا بإبتسامة وإستماع لتلك الأحاديث . وينتظر أهل البأساء متى يغادر النساء منزلهم لحاجتهم الجلوس مع الأمهات والأخوان والأخوات ويلملموا جراحهم بين كبير يواسي الصغير وأسرته الذين فقدوا حنان الراحلين ، وتسبب بقاء الحضور بالعزاء طويلا ضياع سكينة صغار السن والشباب بسبب اللهو والحديث بأكاذيبهم أنهم يواسون اهل الميت دون خجل وحياء بات الإحتفال بقدوم الآخرين للعزاء دون فرق بين مواساة للعزاء أو تهنئنة بمناسبات سعيدة ، والفرق عدم وجود فرقة اغاني في العزاء بينما اكتملت كل مقومات الأفراح وسط العزاء في خضم حالة اهل الميت وصمتهم بحزن دفين ، فهل نتوقف عن إيذاء أهل الميت بالتجمع والحديث في أمور الدنيا ، ويكتفي أهل الميت بتقديم الماء وينتهي الأمر ، وكل واحد يمضي أو يصحب أسرته الحاضرة للعزاء ويغادر . هل تنتهي مسخرة وتفاهات فساتين وبنطلونات الشابات والسيدات الخاصة بالعزاء مع مكياج خاص بالعزاء ويبقين في عباياتهن في تقديم العزاء وينتهي الأمر بتقديم الماء وتمضي لبيوتهن . هل تتوقف محاضرات بعض السيدات في العزاء وفلسفتها عن النار والجنة والدعاء ، وتوجيه الحضور وتحذيرهم بيوم القيامة بينما أهل الميت في حال وعدم إستعداد لسماع مواعظ ، وهل نستبدل اكاذيب من تدّعي الوعظ والنصيحة بسيدة رزينة تذكّر الحاضرات الا يبقين في العزاء لأحاديث جانبية عن مناسبات دنيوية وعتاب عن الغياب وإعادة ذكريات وإثارة مواجع . هل نترك اهل العزاء مع المقربين من نفس الأسرة في مواساة حقيقية وليست سهرات نسائية وبعضهن يترددن موقع العزاء الايام الثلاثة من اجل اللقاء ببعض الصديقات . استغربت إحدى الأديبات موقفا في مدينة جاءت لزيارتها عندما حضرت عزاء أحد السيدات ، وبينما الجمع في جلسة الأنس الحزينة عرفت بعض السيدات أن شخصية إعتبارية سوف تحضر لتقديم العزاء بعد ساعة من الزمن ، وأنتشر الخبر بين الحاضرات . وأقسمت تلك السيدة بربها أن بعض الحاضرات غادرن المجلس سريعا من اجل تغيير ملابسهن وتصحيح مكياج وجههن لإستقبال تلك الشخصية ، وعدن مرة اخرى للعزاء بوقت قصير وإستعجال. حضرت تلك الشخصية بإنسانيتها وإتزانها ، وقدمت العزاء للجالسات صفا دون أن تجلس ، ثم دارت جسدها لتعود خارجة من الباب دون تناول فنجان قهوة ولم يكتمل حضورها ومغادرتها ثلاث دقائق لتقديم العزاء فتحول الموقف إلى شماتة وإستهزاء على من بدّلن ملابسهن وعدلن بوجههن الكالح الممسوخ ولم يتمكن من السلام على تلك الشخصية ، هذا ما يتوفر في كثير من مجتمعنا في البحث عن الذات والتنطيط بصراخ .. انا هنا .. انا هنا والجميع مكشوف ولكن بصيرة القلوب عمياء . هل تعلم عن الحالة النفسية لأهل الميت ، وكيف عبرت بهم اللحظات منذ الوفاة ، وآلآم اجتمعت على نفوسهم وفقيدهم بين أيديهم في وداع نهائي بالحياة ، وإجراءت الدفن ، ولحظات ما اشدها من لحظات بعد عودة المصاحبين للمُتَوَفَى وحدهم دون الراحل من أبناء وإخوان ، هنا تصرخ بهم المصائب بين إرهاق نفسي وجسدي ، وإستعداد قسري من أجل إستقبال الرجال والنساء وإستعداد تجهيز الطعام وقد فقد أهل الميت التركيز على ما يدور حولهم . تفاهات حتى بمنطق العزاء من جاهلات ، رجل مات يوم الخميس ، وقدّموا أهل الميت وجبة العَشَاء فتشاهد الحضور يأكلون بنهم وقد يطلب البعض زيادة في الطعام ، فإحدى السيدات قالت على مسمع من الحاضرات ، المرحوم كريم في حياته ومماته ، حتى الأكل في يوم وفاته لذيذا ، وعلقت عن كرمه انه تُوفي يوم الخميس دون بقية الأيام مما يعطي الفرصة لأهله وذويه إجازة ليوم الجمعة والسبت ، وشخص تافه ينصح صديقه يوم وفاة والده أن يكون عشاء العزاء رز بخاري فهو مرغوب لمن يحضر العزاء . لا تستغرب هذا المنطق ، فهناك تفاهات أكثر من هذا على مرأى ومسمع أهل الميت ، وما اشد وطأة إعادة وتكرار السؤال لكثير من زائرات ، كيف مات ، وهل كان مريضا وماذا قال أو قالت ، واسئلة شخصية من المقربات والصديقاتوالفضوليات هذه حقيقة التجارب ونحن صم بكي عمي فقدنا البصيرة دون الإستفادة من البصر ، هذه التجارب تجسّدت بيننا فهل نستمر بتلميع الذات بينما صاحب الليلة قد مضى باللحد والواجب أن الحاضرين للعزاء موقفهم حزين وليس بالطعام مستأنسين . ما أروع رجالات ونساء بعض مناطق المملكة الذين يمارسون العزاء بمسماه الحقيقي لحضور لا يتعدى الدقائق ، فهذه هي حقيقة العزاء للذين يحضرون من مكان استغرق مشواره جزءا من الوقت ، فيقدّمون الواجب ويمضون في دقائق دون إنتظار الطعام ، وليس الذين يستغلون العزاء من اجل عزاء ومتعة طعام واحاديث تطول في هذا اللقاء . في عهد كورونا الحجري فقدنا أحبة ومعارفا وأصدقاء ، ولم نتمكن من الحضور للعزاء ، ولكن كان الدعاء لهم عميقا ، واشتد الحزن في أنفسنا ، فهل أخبرتنا كورونا عن امور تغافلنا عنها وقد كانت بين ناظرينا ، وهل عرفنا أن مايتم تقديمه بالعزاء هو استعراض ومباهاة وعادات صار البعض يتفنن من أجل أن يكمل النقص في نفسه . يرحم الله الأموات الذين بسبب وفاتهم حضر الكثير ، فالمحترمون قاموا بالواجب ومضوا ، وآخرون وبقوا من أجل تناول الطعام والماء والفواكة والقهوة والشاي ولم يبق إلا مطرب في ذاك المجمع يردد (( تهجرني ليه وانا بحبك )) . طلال عبدالمحسن النزهة المدينة المنورة

مشاركة :