أثارت دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، إلى زيارة أنقرة، ردود فعل ومخاوف متباينة من الأفرقاء السياسيين في ليبيا، وسط محاذير من أن يقدم الأخير على تقديم «مزيد من التنازلات»، أو التوقيع على مبادرات جديدة «قد تسلب البلاد المفككة بعضاً من ثرواتها».وجاءت دعوة السراج لزيارة تركيا في ظل تباهي وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأن «الموازين على الأرض بين (الجيش الوطني) وقوات (الوفاق) انقلبت لصالح الأخيرة»، وذلك بفضل الدعم الذي تلقته من تركيا، وقال بهذا الخصوص: «لو لم نحقق التوازن عسكرياً لكانت الحرب دخلت طرابلس، ويمكنها أن تستمر 10 سنوات أخرى على الأقل».واستقبل نواب موالون لـ«الجيش الوطني» الدعوة التركية للسراج بكثير من الريبة؛ خصوصاً بعد توقيع اتفاقيتين بينهما تتعلقان بترسيم الحدود البحرية، والدعم العسكري والأمني، وهو ما مكَّن قوات «الوفاق» من إحداث توازن على الأرض في مقابل «الجيش الوطني».وتوقع عضو مجلس النواب، سعيد أمغيب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «يقدم السراج على أي عمل يؤدي لزيادة التغلغل التركي في البلاد»، وقال موضحاً: «من غير المستبعد أن يتنازل (السراج) خلال زياراته إلى أنقرة عن مزيد من مقدرات الشعب الليبي؛ خصوصاً أن تركيا لا تستدعي السراج إلا من أجل التوقيع على التنازلات لصالحها، كما حدث من قبل».وفي نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قالت تركيا إنها استقبلت رئيس المجلس الرئاسي، ووقعت معه مذكرتي تفاهم: الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية لحماية حقوق البلدين.وتوقع أمغيب أن يتطرق إردوغان والسراج إلى «البيان الخماسي»، الصادر عن وزراء خارجية مصر واليونان وقبرص وفرنسا والإمارات، الذي ندد بالتحركات التركية في شرق المتوسط، بعد طلب شركة بترول تركية الإذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط من حكومة طرابلس.وأضاف إمغيب أن «البيان الخماسي» اعتبر مذكرتي التفاهم التي سبق أن وقع عليها السراج في تركيا، تتعارضان مع القانون الدولي، وقرار حظر تصدير السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا: «وبالتالي فقد يبحث الرجلان خلال تلك الزيارة عن اتفاقية توفر لتركيا تحديداً الغطاء السياسي الذي يمكنها من الاستمرار بدعم حليفتها عسكرياً، بالسلاح و(المرتزقة)، والاستفادة من خلال الوجود بأرض ومياه ليبيا، دون مناكفة دولية».وتابع إمغيب موضحاً: «الدعوة لهذه الزيارة في ظل توقف اللقاءات الدولية، لن تكون بكل تأكيد من أجل السياحة، أو زيارة بروتوكولية، أو لأمر عادي، وإلا لكان قد تم بحث الموضوع هاتفياً». وكان البيان الخماسي المشترك قد ندد بـ«التحركات التركية غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الإقليمية، بما تمثله من انتهاك صريح للقانون الدولي، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار».وفي مقابل تخوفات إمغيب، قال المحلل السياسي الليبي فيصل الشريف، إن الزيارة التي يعتزم السراج القيام بها إلى تركيا «تأتي في سياق التشاور، وتقييم المواقف السياسية والعسكرية بين بلدين وقعا بشكل علني مذاكرات للتفاهم فيما بينهما، وبالتالي ليس هناك أي مجال للتشكك».وأضاف الشريف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التشاور وتنسيق المواقف «مطلوب لا سيما بعد البيان الخماسي الذي انتقد السياسة الخارجية لتركيا. وبعد تطور الموقف فإن لقاء إردوغان والسراج لبحث جملة من المستجدات في الشأن العسكري والسياسي ليس مستغرباً، كونه تحركاً في إطار دفاعي، وهو بحث آليات وخيارات دحر (العدوان) على العاصمة».من جانبه، رأى طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن «هوس البقاء في المشهد السياسي قد يدفع السراج لتقديم أي ثمن تطلبه أنقرة، نظير هذا الدعم العسكري لحكومته»؛ مستغرباً الصمت الدولي حيال التدخلات التركية في بلاده. وعبر عن ثقته الشديدة بأن أي اتفاقات قد يعقدها السراج مع إردوغان «لن تنجح في إعادة عجلة الزمن للوراء، وتحديداً لفترة الاحتلال العثماني لليبيا».أما المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري، فيرى أن الزيارة «رسالة إعلامية للمعارضة التركية الرافضة لتدخل أنقرة في الصراع الليبي، ولإثبات خطأ رؤيتها، فضلاً عن كونها تحدياً للرفض الدولي المهاجم للتحالف الليبي- التركي، الذي كان آخر وأبرز محطاته هو البيان الخماسي».وأوضح الفيتوري لـ«الشرق الأوسط» أن السراج «قدم كل شيء في الاتفاقيات الأولى، وبالتالي فإن ذهابه الآن إلى أنقرة، واحتمال عقد أي اتفاقيات جديدة، لن يكون إلا رسالة إعلامية مزيفة للشعب التركي حول قوة بلادهم، وقدرتها على الاستفادة من حلفائها شرق المتوسط، وربما أيضاً للتغطية على فضيحة تمكن الجيش الليبي من إسقاط عدد غير هين من الطائرات التركية المسيرة».
مشاركة :