الحرية الإنسانية والقَدَر في الفكر الإسلامي

  • 5/29/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تبدو قضيّة الحريّة الإنسانيّة أمام القدر أمراً ربّما يفتح شهيّة القراء على الاستزادة، فضلاً عن مساجلات المتخصصين واشتغالاتهم البحثيّة الفلسفيّة، وفي هذا المضمار كتاب «بين الحريّة الإنسانيّة والقدر الإلهي في الفكر الإسلامي: دراسة توافقية نظرية عند ابن سينا والغزالي وابن عربي»، لمؤلفته ماريا دي سيليز، وترجمة محمود سلامة، وقد أصدره المركز القومي للترجمة بنسخته العربيّة. وتجيء أهميّة هذا الكتاب، كونه استند إلى دراسة نقديّة لإضافات هؤلاء الأعلام الثلاثة، في موضوع يحتاج معه القارئ إلى أن يقف على مدى الإسهام في التفاصيل والاتفاق في العموم بينهم على طرفي الحرية والقدر، كموضوع تقليدي إسلامي، بأبعاده الفلسفيّة. أبو حامد الغزالي.. رسم متخيل ولأنّ الفهم الإسلامي قائم على تحقيق السعادة في الحياتين: الدنيا والآخرة، فإنّ مصاحبات هذا الفهم لابد وأن تتأسس أولاً وقبل الدخول في مضمار النقاش على الإيمان بالبعث والحساب والثواب والعقاب، وأنّ الحياة الدنيا هي محطّة أو دار عبور إلى محطة الدار الآخرة وحياة البرزخ أو ما بعد الموت. بدايةً، لابدّ أن نوضّح الإطار العام الذي اتفق عليه هؤلاء الفلاسفة في هذا الموضوع، بحسب استنتاج المؤلفة، وهو أنهم يكادون يلتقون عند مبدأ عام واحد، في شأن قضية القضاء والقدر والحرية الإنسانية، وهو وقوع الإنسان بين شقي الجبر والاختيار؛ فهو حر مجبر، أو مُجبر مختار. ومن الجميل أن نضع القارئ بصورة اشتغال كلٍّ من هؤلاء الفلاسفة والمفكرين في هذا الموضوع الحيوي، دون أن نربك القراء بالمصطلح المتخصص؛ إذ كان الشيخ الرئيس ابن سينا أميل في موضوع القضاء والقدر إلى النظرية السببية المحكمة كما هو شأن الاتجاه الأرسطي، وإن حاول أن يلبس اتجاهه ثوباً دينياً شفافاً، كما تقول المؤلفة، التي تحدثت عن اتجاه الفلسفة التقليدية «المشائية» الإسلامية، والتي تعتبر أرسطو هو النموذج البارز لهذا الاتجاه. ابن عربي في رسم متخيل أمّا الإمام الغزالي، فعلى الرغم من إيمانه بالسببية، كما تقول المؤلفة، إلا أنّ سببيته كانت مقيدة بالقدَر الذي في إمكانه وقف هذه السببية؛ بحيث اعتبر القدَر هو الفاعل الحقيقي، بمعنى أنّ المسبب يحدث مع السبب لا بعده على عكس ابن سينا، الذي جعل المسبب يحدث بعد السبب. وتشير المؤلفة إلى أنّ الإمام الغزالي كان في الأصل من المتكلمين الأشاعرة، وخاض غمار الفلسفة، ثم ثار عليها ناقداً إياها، ثم ختم حياته بتبني الاتجاه الصوفي. هذا في حين وصل محيي الدين بن عربي إلى أنّ الحرية الحقيقية للإنسان هي في أن يستسلم للقدَر؛ حتى يصل إلى مقام العبودية، وبحسب المؤلفة، فهو لم يقف عند اتجاه معيّـن، بل خلط الفلسفة وعلم الكلام والتصوف الذي غلب عليه الفكر الفلسفي، واستقر به الأمر في النهاية إلى تبني اتجاه صوفي موغل في خليط من المذاهب الفلسفية الشرقية والغربية. يشار إلى أنّ مؤلفة الكتاب ماريا دي سيليز باحثة في الدراسات الإسلامية التقليدية، ولها مؤلفات حول الفلسفة الإسلامية والاتجاهات الروحية والصوفية الإسلامية، في حين أنّ المترجم محمود سلامة هو أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة المنيا، وله العديد من المؤلفات حول ابن سينا، وابن خلدون ،وموضوع الولاية الصوفية والفكر الإسلامي الحديث.

مشاركة :