أخذَ جولةً في الحيِّ بعد أسبوعٍ شاقٍّ من الذهاب والعودة، عشرةُ كيلوات يقطعها يوميًّا وعلى ظهره أسفارٌ وصبيٌّ صغيرٌ يدرس في المرحلة المتوسطة، في جولةِ الراحةِ دعاه الفضول لشمِّ رائحةِ العلبُ الفارغةِ التي تُلقى وفيها بقايا سمك السردين والفول والبازيلا الخضراء، وضعَ حافره الأمامي الأيسر بالخطأ في إحدى العلب التي لم تفتح دائرتها بالكامل، حاولَ إخراجه ولم يفلح، أصدرَ نهيقًا لم يسمعه أحد وهو يتألم، رجعَ إلى مكانه الذي يتلقى فيه طعامه وشرابه ووتده الذي يحفظه من التمرد، عاد إليه صاحب الأسفار ليتفقده قبل العودة لحصص الدروس، نهضَ وأطلقَ صوتًا مزعجًا على غير العادة وهو ينظر إلى قائمته المصابة، رأى العلبةَ الخضراءَ تتسوَّرُ الحافر وحولها آثار دماء، جلبَ آلة حادة وشق العلبة نصفين، تنفس الحمار كما لم يتنفس من قبل وأطلق صوتًا مدويًّا من الفرح، جاء أول يوم في الأسبوع، حمل كتبه وخُرجَه الذي تتوزع فيه العلوم ليضعه على ظهر الحمار، بدأ يمشي متعثرًا من أثر العلبة التي مكثتْ يومًا، ألقى بالكتب جانبًا ليتفرغ لعلاج مركوبه، غاب في هذا اليوم عن المدرسة، في اليوم الثاني انطلق مبكرًا قبل زملائه، اصطف الطلاب في الفناء وسط هيبة الحاضرين، نادوا في نهاية الاصطفاف بأسماء الغائبين، مَثلوا أمام زملائهم ليقدموا أعذارهم، كان الأخير في ترتيب المناداة، سألوه عن عذره، رأوا آثار احمرارٍ على يديه، نهق الحمار المربوط في سور المدرسة فجأة، سألوه عن سبب الاحمرار، أخرج العلبة التي نشبتْ في الحافر، قصَّ لهم القصة فمنحوه يومًا آخر، انطلقَ إلى حماره، امتطى صهوته ليستأنف علاجه قبل أن تحمى الشمس.
مشاركة :