جيهان شعيب دائماً تتولد المنح من قلب المحن، وفي العسر تنصهر المعاناة، لتنتهي بانفراجة تضيء الدروب، وتكسب الفرد تجربة يستفيد فيها، بكل ما مر به خلالها، فالأزمات تكسب البعض معرفة بكثير من أمور ربما كانت غائبة عنهم، وتزودهم بدراية بالعديد مما كانوا يجهلونه، وتعد عبرة لمن يعتبر، في الانتباه والتخطيط الجيد لمستقبل الأيام. ولا شك أن أزمة «كورونا» ستمر بقدرة الخالق العظيم، وبالإجراءات الوقائية والاحترازية المتميزة، غير المسبوقة، التي أقرتها واتخذتها الدولة، والتزم بها جميع مواطني أارض زايد الخير ومقيميها، لكنها - ومن المؤكد - ساهمت في إعادة تشكيل الوعي المجتمعي بصورة جديدة، من خلال الدروس التي تعلمها منها أفراده على الصعد الصحية، والسياسية، والثقافية، والعلمية، وكذا الاجتماعية والاقتصادية، فالأزمة ليست بالهينة، ولا البسيطة، في ضوء حصدها أرواح الكثير من أبناء شعوب العالم.يرى د. حسين المحمودي رئيس مجمع الشارقة للتكنولوجيا والبحوث والابتكار: المرحلة الحالية التي يمر بها العالم بينت فاعلية منظومة الإدارة في دولة الإمارات بفضل من الله، فهناك ثقة في تميز الأداء الحكومي، على الصعد المختلفة سواء اقتصادية، وصحية، واجتماعية، وثقافية، وتعليمية، وهذا كان له دور كبير في ثقة المواطن والمقيم والمستثمر في ما تقوم به الدوائر، فيما سيكون هناك تركيز كبير على أهمية التعليم والبحث العلمي في المستقبل، وكذا الابتكار، فالمنظومة العالمية تتغير، وهناك مستجدات كبيرة طارئة بينت أهمية الدعم لمنظومة البحث العلمي والابتكار والتكنولوجيا، وأتوقع أنه في الفترة المقبلة سيكون هناك تركيز كبير على اقتصاد المعرفة، وهذا موجود في الدولة، لكنه سيأخذ زخماً اكبر بفعل المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم. أيضاً هناك سمعة الدولة والعلاقة التجارية لها على المستوى العالمي، فاليوم أضحت دول العالم ومواطنوه ينظرون للإمارات نظرة كبيرة، وأتوقع خلال الفترة المقبلة عقب انتهاء هذه الازمة، أن تكون المكان الأفضل للعيش، والعمل، والاستثمار، والأمن والتأمين، على مستوى العالم ككل، وهذا يدعم الاقتصاد الوطني ويعطيه بعداً استراتيجياً كبيراً، مع تميز العلاقة التجارية للدولة، وكفاءاتها الإدارية، وقيادتها الفذة في التعامل مع الأزمة بسلاسة واحتراف، على الصعد والمستويات كافة، بما يدعم الصفة التنافسية، والعلاقة التجارية لها. رؤية مستقبلية المستشار د. عبد الله بن حمودة عضو المجلس البلدي لمدينة الشارقة، المستشار الأكاديمي لمعهد الشارقة للتراث عضو المجلس الاستشاري في جامعتي الشارقة وعجمان يقول: مع تفشي وباء كورونا (كوفيد 19)، وتسارع الدول في إغلاق الحدود، وفرض القوانين والإجراءات الاحترازية والوقائية، وفرض العقوبات الصارمة على المخالفين، ومع اعتزال الشعوب الاختلاط والتواصل، كان لا بد من الابتعاد عن الحياة الاعتيادية التي تعودنا عليها، وصياغة حياه جديده بوسائل وطرق حياتيه مختلفة تساهم في حمايتنا من الخطر المحدق بنا وبمن حولنا. ومثلما لجأت العديد من الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة لإيجاد فرص بديلة للاستمرارية ولدفع عجلة الحياة، كذلك لجأت المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، للبحث عن الوسائل البديلة لاستمرارية التعليم والتعلم، وبث رساله يصعب من دونها التقدم في شتى مجالات الحياة، فيما لا شك ان ما حل من وباء فإنه زائل بإذن المولى، ولكن الى ذلك الحين فانه لا بد لنا من التأقلم والتكيف مع معطيات وظروف الواقع الحالي، وما يحدث الآن هو صراع من أجل البقاء، بقائنا آمنين، معافين، مستمرين في العطاء والتعلم والتقدم.وقد يكون ذلك سبباً للوقوف على مدى جاهزية مؤسساتنا التعليمية لمثل هذه الأزمات، لاستيعاب الموقف، والقدرة على التعامل معه، وقد تكون مسألة حصاد لتوجيهات، وجهود سنوات سابقة دعت لها حكومتنا الرشيدة، في التعامل مع التكنولوجيا، واعتبارها جزءاً محسناً ومكملاً للعملية التعليمية، وقنوات مهمة قد تكون الوحيدة في المستقبل القريب.ويتابع: أدى الوضع الراهن الى اكتشافنا طاقاتنا الذاتية، واكتشاف وسائل تعليمية حديثة لم يكن اكتشافها سهلاً لولا ما حدث، كذلك ادى إلى تغيير مسار العملية التعليمية من التقليدية القديمة الى التقنية التكنولوجية الحديثة، رغماً عمن رغب أو العكس، ما يصب في صالح إغلاق الفجوة بين الجيلين التقليدي والمعاصر، فاستخدام الوسائل التقنية الحديثة ومنها التعلم عن بعد هو توجه حكومي ورؤية مستقبلية لحكومة الإمارات منذ سنوات، وقد يكون الوضع الراهن هو أفضل وضع لتحقيق هذا التوجه وهذه الرؤية في وقت مبكر لنسابق به الزمن وتكون لنا الأفضلية والتقدم. كما ان ما يحدث الآن هو اختبار حقيقي لسنوات التوجيه والابتكار، والعمل والاستعداد، والتقدم والرقي، سنوات وضع فيها حجر الأساس في شتى المجالات ومنها المجال التعليمي، ونتمنى ان يعود الحال لسابق عهده مزودين بالخبرة التكنولوجية الحديثة، لنمزج ما كنا نعرفه سابقًا بما اكتسبناه حديثًا. أدب المستقبل يشير محمد حمدان بن جرش، أمين عام اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الى ان الازمة الحالية من انتشار فيروس كورونا فرصة لإنتاج أعمال أدبية جديدة، واستثمار الوقت في المفيد، قائلا: من المؤكد أننا سنرى أنماطاً شخصية وفكرية جديدة عقب انجلاء الأزمة، التي اتخذت القيادة حيالها إجراءات إيجابية ومتفائلة في التعامل مع الفيروس، وبطريقة منهجية، وعلمية، دونما هلع، أو خوف، ومن خلال رسائل، وخطاب سياسي واضح، لطمأنة أبناء الشعب بكلمات رائعة متميزة من قيادتنا الحكيمة، ويكفي كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «لا تشلون هم، هذه الأوقات ستمضي». ومن الواجب على المستوى الثقافي وبفعل الأزمة الحالية، الوعي بعلم الأوبئة، والاطلاع على كل ما جاء في شأنها، والتركيز على أدب الخيال العلمي، وأدب المستقبل المسمى بأدب التغيير، ولا بد من تناول دراسات متعمقة عن استشراف المستقبل، والانتباه للتطورات المستقبلية لتعاظم التحديات مع الوقت، حيث يأتي حالياً دور المثقف والمتعلم، في إبراز قيمة القلم والفكر، بتوضيح كيفية التعامل بإيجابية، وبأن يكون فكر الادباء حاضراً في جعل التواجد في البيوت فرصة لإنتاج اعمال تتناول هذه الازمة بطريقة إبداعية، عبر اشعار، أو قصص، أو روايات لتنوير المجتمع. لا سيما أن المثقف جزء لا يتجزأ من المجتمع ويبرز دوره بشكل أكثر وضوحاً وتألقاً في وقت الأزمات وهو من يحمل شعلة الأمل، والتنوير، والتقدم، كما انه من يقرأ المستقبل قبل حدوثه، ويرسم بإبداعه الصورة التي سيكون عليها، وهو العقل المحرك والدافع للتغيير. التداوي عن بُعد وقالت د. فاطمة سلطان العلماء استشارية ورئيسة قسم صحة الطفل بهيئة الصحة في دبي: تعودنا في دولتنا الغالية أن ننافس ونتحدى، فالإمارات دولة اللا مستحيل، فبفضل الله وقيادتنا التي تسهر على أمننا وسلامتنا وتحفيزهم وشكرهم للقطاع الطبي، خط الدفاع الأول، تعلمنا دروساً عديدةً إيجابيةً استطعنا تطبيقها في هذا المجال، وأخرى أثرت تأثيراً مباشراً في أفراد المجتمع. أولى هذه الاستفادات بيان تطور الدولة والحمد لله لمواكبتها جميع عناصر الحداثة المتمثلة بالتعامل عن بعد لاسيما في الجانب الطبي، حيث بدأ العمل على تطبيق نظام التعامل عن بعد في الكشف على بعض الحالات والتعامل معها ما قلل من لجوء المرضى لمراكز العيادات الصحية، وهذا بهدف تجنب مخالطة أشخاصٍ قد يكونون مصابين بوباء كورونا. كما أنني أعتقد أن المجتمع الإماراتي في هذه الفترة استطاع ان يقترح ويبتكر العديد من الأفكار المساعدة على تطبيق التداوي عن بعد، ومنها على سبيل المثال: قيام الصيدليات بتوصيل الأدوية للمرضى وكبار السن تحديداً ما قلل من مراجعتهم، وانتظار أدوارهم التي كانت قد تطول أحياناً في سبيل الحصول على الوصفة الدوائية. واستفدنا درساً مهماً هو تطبيق فكرة التباعد الاجتماعي للأشخاص المرضى عادةً، وليس في التعامل مع كورونا فقط، فالأنفلونزا عموماً هي من أشد الأمراض انتشاراً بالتقارب، وبناءً عليه في اعتقادي أن المجتمع تفهم خطورة ذلك، كما تفهم وجوب عدم مخالطة مرضى العدوى للأشخاص الطبيعيين، سواء في العمل، أو مراكز التسوق، أو حتى دور العبادة، فدفع المضرة أولى من جلب المصلحة، خاصةً إذا كانت المضرة للغير، أو الجموع في سبيل مصلحةٍ شخصيةٍ للفرد المريض. مراجعة العيادات للضرورة لقد استطعنا أن نوصل مفهوم ضرورة مراجعة العيادات للحالات المحتاجة حقيقةً للمراجعة، وعدم تكدس المرضى أو المراجعين في العيادات والمستشفيات بسببٍ ودون سبب، لأن هذه الأماكن مهما كان الحرص على نظافتها إلا أنها قد تكون معرضةً لانتقال الأوبئة والأمراض، ولذلك فهم الناس هذا الأمر يساعد على عدم جعل العيادات، مراكز التقاء أو تجمعاتٍ بقدر ما هي مراكز علاج، حتى في ما يتعلق بزيارة المريض أو عيادته بالمعنى الأصح، والتي لا يجب أن تطول عادةً مراعاةً لظروف المريض والمرضى المجاورين، كما تغير مفهوم الطعام والشراب لدى كثير من الناس، فقد أدركوا مضار الأطعمة السريعة «فاست فود»، والمشروبات الغازية، والمثلجات خاصة في مثل هذا الموسم، كما عرفوا أهمية وقدر شرب الماء، وكذلك تعلم الناس المفهوم الصحيح للنظافة الذي حثنا عليه الإسلام والشرع الحنيف وهو الوضوء بدءاً بغسل اليدين ثم الغرغرة ثم الاستنشاق، والنظافة بشكلٍ عام ومدى حفظها لصحة الإنسان. كذلك تفهم كثيرٌ من الناس معنى عدم الإفراط بالأكل حرصاً على الموارد من جهة، ومن جهةٍ أخرى لأن كثرة الأكل قد لا تقابلها حركةٌ كافيةٌ وبالتالي تسبب التخمة والأمراض المصاحبة للسمنة، وتعلمنا من كورونا كذلك عدم الإفراط في أخذ الأدوية والمسكنات، خاصة بعد ثبوت المضار الجانبية لهذه المسكنات على المصابين بمرض كورونا كالأدوية المضادة للالتهابات، التي يستعملها البعض ويتعاطاها دون وصفةٍ طبيةٍ معتمدة، وكذلك الحال بالنسبة لأدوية المضادات الحيوية، كما ساءنا جداً كدرسٍ مستفاد وجود بعض الاستغلاليين والمحتكرين الذين خلت من ضمائرهم الوطنية أو الحس الوطني أو الشعور بالانتماء لمجتمعٍ يؤويهم، فعملوا على استغلال الناس برفع أسعار الأقنعة والقفازات، وآخرون عملوا على تصنيعها بمخالفة المواصفات الطبية، هذا غيضٌ من فيض، والحديث قد يطول. ترميم العلاقات وذهب خالد الغيلي عضو لجنة شؤون الأسرة سابقاً في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة الى أن المواطنين والمقيمين على ارض دولة الامارات ضربوا في «أزمة» كورونا أجمل تعبير من خلال الولاء، والتقيد بالتعليمات الصادرة من الحكومة، وأبدوا التطوع والمساعدة من خلال برنامج التعقيم الوطني، وأكدت الازمة أن كل من يعيش على أرض دولة الامارات يتمتع بكل الحقوق والواجبات والواجبة على المواطن، لذلك تضاعف الحب والتقدير من جميع الجنسيات لها، فيما انعكست ازمة كورونا بدروس كثيرة أفادت افراد المجتمع، أهمها على الصعيد الاجتماعي من أهمية تخصيص أرباب الاسر أوقاتاً للجلوس مع اسرهم، والتقرب من الأبناء واحتوائهم، ومراعاتهم، والاستماع لهم والاستمتاع معهم، لتعويض ما فات من أوقات كان عدم الانتباه لهم فيها، بذريعة الانشغال بالعمل وخلافه، فيما كانت الازمة الحالية فرصه لكثير من الأسر لترميم العلاقات في ما بينها، وأيضا وجهت الازمة لأهمية تقنين الانفاق، والتعرف على أهمية الاستعداد لأي طارئ مستقبلاً. البحث العلمي وعبر مجدي الفقي «رجل أعمال» عن مساهمة الازمة الحالية في مضاعفة قناعة الجميع بقدرة الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى المقتدر، المغير الذي لا يتغير، وانه سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، قائلاً: اتمني ان يتعلم المجتمع من هذا الدرس الذي قلب العالم اجمع، ونبه الى الاهتمام بالعلم والبحث العلمي، كونه الأهم من التسليح وأدوات الدمار التي انفقت عليها دول العالم مليارات الدولارات، دونما قيمه، حيث لم تستطع حمايتها من فيروس لا يرى بالعين المجردة، عدا ما انفق في العلم والبحث والعلمي والمجال الصحي الذي أثبت قدرته الكبيرة في التصدي لهذا الفيروس. موجهات دينية وجه الداعية د. محمد راتب النابلسي الى مجموعة من الدروس الدينية التي يجب أن يعتبر بها الافراد من أزمة كورونا تتلخص في الآتي: لا يحدث شيء بدون علم الله وإرادته سبحانه.. *فلنطمئن* الفيروس أحد مخلوقات الله، لا يسير وفق هواه.. *فلنهدأ* لا شك أن هناك حِكمة، قد نعرفها وقد نجهلها.. *فلنفهم* سُنّة الابتلاء ماضية، وقد يكون فرديًا أو جماعيًا.. *فلنعقِل* هذه الدنيا دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترحٍ، لا منزل فرح.. *فلنتذكر* حين تضِلُّ الأمم وتنحرف، يُرسل الله لها جنودًا وآيات، قد تبدو في الظاهر قاسية، لكنها في الباطن خيرٌ ورحمة.. *فلنستبشر* قد يكون هذا البلاء محبةً من الله لنا وتنبيهاً ليدفعنا إلى بابه، وقد تكون عقوبةً.. *فلنستدرك* لا ننسى أوصاف الإنسان في القرآن، أنه خُلق في أحسن تقويم، ومكرّم عند الله، ولكنه ضعيف جهول عجول ومجادل.. * فلنتأدّب* يقول الله تعالى: «فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا».. *فلنفرح* يقول الله تعالى: «وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ».. *فلنصبر*
مشاركة :