واشنطن - استعرت مجددا المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، لكن هذه المرة على خلفية أزمة هونغ كونغ حيث يدفع الأميركيون نحو أن تتمتع الأخيرة بحكمها الشبه ذاتي بينما تصر بكين على قمع الانفصاليين هناك. والجمعة اتّهمت بكين واشنطن بأخذ مجلس الأمن الدولي “رهينة”، على خلفية تقديم الولايات المتحدة طلبا لعقد اجتماع بشأن مشروع قانون صيني مثير للجدل حول الأمن القومي في هونغ كونغ. ونجحت واشنطن في قيادة العديد من العواصم الغربية لمعارضة الخطوة الصينية، متهمة بكين بتقويض الديمقراطية في هونغ كونغ. وترى هذه البلدان أن هذا القانون يقيّد الحريات في المنطقة الواقعة في جنوب الصين والتي تتمتع بحكم شبه ذاتي. ودفعت السلطات الصينية بالمشروع بعد خروج تظاهرات حاشدة في هونغ كونغ عام 2019 ضد نفوذ بكين، اتّسمت بأعمال عنف وعزّزت تيارا مؤيدا للديمقراطية كان مهمّشا في الماضي. وينصّ مشروع القانون على معاقبة الأنشطة الانفصالية التي تصنفها بكين كـ”إرهابية” والتمرد على سلطة الدولة والتدخل الأجنبي في المنطقة الصينية التي كانت مستعمرة بريطانية سابقة. وصوّت نواب الجمعية الوطنية الشعبية البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف، لصالح الإجراء الذي أثار مجددا اضطرابات في المدينة التي مثلت في الفترة الأخيرة وجها من أوجه الصراع الأميركي الصيني. في ردها على التهديدات الأميركية بكين تتهم واشنطن بأنها سكبت الزيت على النار عبر دعمها العلني للمتظاهرين وصوّت نائب واحد فقط ضد النص وامتنع ستة آخرون عن التصويت. وصفق النواب طويلا بعد إعلان نتيجة التصويت بقاعة قصر الشعب في بكين بحضور الرئيس شي جين بينغ. ووضع العملاق الآسيوي هذا المشروع، بالرغم من تداعياته على علاقاته الدولية، على رأس أولوياته بعد الاضطرابات التي شهدتها هونغ كونغ في العام الماضي، للمطالبة بالديمقراطية ومنحها حكمها الذاتي. وأعربت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا عن قلقها. وفي ردها على التهديدات الأميركية اتّهمت الصين واشنطن بأنها سكبت الزيت على النار عبر دعمها علنا المتظاهرين. واتّهمت المحتجّين “المتطرفين” بالقيام بأعمال “إرهابية”. والجمعة تعهدت وزارة الأمن العام الصينية بتقديم “التوجيه والدعم” لقوة شرطة هونغ كونغ، بعد أن وافق البرلمان الصيني على قرار بفرض قانون الأمن القومي على المنطقة فيما يسلط الأضواء على نية بكين القيام بدور مباشر بصورة أكبر في إنفاذ القانون بالمدينة. وقالت الوزارة في بيان صدر في ساعة متأخرة من مساء الخميس إن وزارة الأمن العام الصينية، وهي قوة الشرطة الوطنية، ستبذل “كافة الجهود في تقديم التوجيه والدعم لشرطة هونغ كونغ من أجل وقف العنف واستعادة النظام”. وتهدد الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على الصين في هذا الصدد، لكن هذه المحاولات تلاقي رفضا من الاتحاد الأوروبي. وأعلن وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل الجمعة أن العقوبات “ليست طريقة لحلّ مشاكلنا مع الصين”، وذلك في رد على سؤال بشأن تداعيات القانون الصيني. ولكن بوريل أعرب عن “قلقه الكبير” حيال عزم بكين على فرض هذا القانون في المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، عقب اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عبر الفيديو. وأقر بأن “ذلك قد يقوض بشكل خطير مبدأ ‘بلد واحد ونظامان’، والحكم الذاتي الواسع النطاق في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة”. وبموازاة ذلك تواصل واشنطن حراكها في مجلس الأمن بغية إصدار قرارات تدين بكين. ووفق ما أكدت مصادر دبلوماسية، حصلت واشنطن ولندن على تنظيم مناقشة غير رسمية في المجلس للمسألة الجمعة في اجتماع مغلق عبر خدمة الفيديو. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان في مؤتمر صحافي “مجلس الأمن ليس أداة يمكن للولايات المتحدة أن تتلاعب بها كما تشاء”. وأضاف “لن تسمح الصين ودول أخرى تتمسك بالعدالة على المستوى الدولي، بأن تأخذ الولايات المتحدة مجلس الأمن رهينة لغاياتها الخاصة”. الاحتجاجات تتواصل الاحتجاجات تتواصل ويُوجه “القانون الأساسي” وهو الدستور المصغّر لشؤون هونغ كونغ منذ العام 1997، سلطات المنطقة لوضع قانون للأمن القومي. ولكن مبادرة في هذا الاتجاه عام 2003 أدت إلى خروج تظاهرات كبيرة وتجميد الحديث عن القانون. ويكاد صبر بكين ينفد وتستعدّ لفرض قانون، معتبرة أن هذا حقها بموجب أحكام القانون الأساسي. وكتبت وكالة أنباء الصين الجديدة الجمعة أنه بالنسبة إلى سكان هونغ كونغ “حماية الأمن القومي ضرورة وليست خيارا”. وقالت صحيفة الشعب التابعة للحزب الشيوعي الصيني في افتتاحيتها إن القانون سيستهدف فقط “أقلية صغيرة من الأشخاص المشتبه بارتكابهم جرائم تنتهك الأمن القومي”. وأضافت أن النصّ لن يُضعف حريات سكان هونغ كونغ إلا أنه “سيحميها أكثر في “بيئة آمنة”. وقالت النائبة في المجلس التشريعي إنها “نهاية هونغ كونغ”، معتبرة أن بكين تجرّدهم من أرواحهم. وردا على القرارات الصينية ألغت الولايات المتحدة الوضع الخاص الذي تمنحه لهونغ كونغ، ما يمهد لإلغاء الامتيازات التجارية الأميركية الممنوحة للمنطقة المستقلة. وبالرغم من أن جائحة كورونا التي تسببت في أزمة حادة بين البلدين تكاد تنتهي إلا أن الخلافات الصينية الأميركية متواصلة. وتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة عن عمليات “جوسسة” قام بها طلبة صينيون في بلاده. وتدرس إدارة ترامب التحركات القادمة التي تستهدف “ردع” الصين التي خاضت حربا تجارية مع الولايات المتحدة في وقت سابق انتهت بتوقيع اتفاق تجاري للتخفيف من حدة التوترات بين القوتين. ويرى مراقبون أن الخلافات الأخيرة باتت تهدد بانهيار هذا الاتفاق رغم تأكيد الطرفين على أن الاتفاق صامد ولن ينهار.
مشاركة :