نعم لمراجعة سياسات العمالة الوافدة لكن دون عصبية أو تعصب

  • 6/2/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

د. جاسم المناعي * هذه العمالة أتت وفقاً لرغبتنا، وقد دخلت بلداننا بطرق مشروعة، إضافة إلى أن هذه العمالة أسهمت في تطوير بلداننا، كما أنها ساعدت في سد عجز بعض الوظائف والأعمال. إن أحد أهم تداعيات أزمة كورونا في دول الخليج هو إثارة موضوع العمالة الوافدة من جديد، وإن كانت هذه المرة لأسباب صحية خشية من تفاقم تفشي الوباء من خلال الظروف المعيشية والسكنية لهذه العمالة. وبالطبع هذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها وضع العمالة الوافدة، حيث ظل هذا الموضوع يثير جدلاً مستمراً خلال العقود القليلة الماضية، وإن كان لأسباب اجتماعية وسياسية مختلفة. وحسبما يبدو فإن هذا الموضوع سيستمر في إثارة الجدل في المستقبل، وذلك لأسباب موضوعية أهمها في الواقع ما يتمثل في المظاهر التالية: أولاً: ارتفاع نسبة العمالة الوافدة إلى مجموع السكان في دول المنطقة، مقارنة بما هو عليه الحال في بقية دول العالم. وهذه النسبة المرتفعة للعمالة الوافدة تثير بالطبع مخاوف عديدة، بعضها مرتبط باختلال التركيبة السكانية، وبعضها قد تمثل مخاوف سياسية محتملة في حال استمرار هذا الوضع لفترة زمنية ليست بالقصيرة. ثانياً: الظروف المعيشية والسكنية والصحية التي تعيشها أغلبية هذه الفئات في بعض الدول، والتي أثارت وستستمر في إثارة، كثير من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، هذا إضافة إلى مخاوف مستجدة تتعلق بالظروف الصحية واحتمال تفشي الأوبئة من خلال التكدس الكبير لهذه الفئات في ظروف معيشية وسكنية ضيقة، هذا فضلاً عن ضعف إن لم نقل انعدام المستوى المطلوب من السلوكيات والممارسات الصحية لدى أغلبية هذه الفئات، وبخاصة غير المتعلمة منها. تجاه هذه الأوضاع من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل تخوفاً من تفاقم هذه الأوضاع وخروجها عن السيطرة. المطلوب فقط الحذر من الانفعالات وردود الفعل المبالغ فيها. فالمناداة بطرد العمالة الوافدة أو الإساءة إليها هي ردود أفعال مستهجنة وغير عقلانية. ويجب ألا ننسى أن هذه العمالة قد أتت وفقاً لرغبتنا، وقد دخلت بلداننا بطرق مشروعة، إضافة إلى أن هذه العمالة قد أسهمت في تطوير بلداننا، كما أنها ساعدت في سد عجز بعض الوظائف والأعمال، ليس فقط الأعمال التي لا يرغب المواطنون في ممارستها، ولكن حتى على مستوى الأعمال والمهن الفنية كالأطباء والممرضين والمهندسين وأساتذة الجامعات والاستشاريين وغير ذلك من المهن التي لا تتوفر لدينا العناصر الوطنية الكافية فيها. إن مراجعة وضع العمالة الوافدة هو أمر طبيعي، لكن مثل هذا الأمر لا يحتاج إلى التصريحات المتشنجة أو المواقف العصبية. كذلك لا نعتقد أن مشكلة العمالة الوافدة قد تختفي سريعاً، أو أن حلها سيكون سهلاً ودون أي إشكالات. المعالجة حسبما يبدو تحتاج إلى التدرج وعدم التسرع في اتخاذ إجراءات قسرية مرتجلة من شأنها إثارة النغمة والإرباك على الصعيد الداخلي، كما أنه من الحكمة عدم إثارة الحساسية على الصعيد الخارجي، خاصة مع الدول المصدرة لهذه العمالة، والتي تعتمد اقتصاداتها على تحويلات هذه العمالة. وإذا أخذنا في الاعتبار هذه المعطيات، فإن المعالجة المقترحة تبدو منحصرة أساساً في مجالين رئيسين، هما تخفيض حجم العمالة الوافدة، ووضع معايير جديدة لدخول وعمل هذه العمالة. في ما يتعلق بخفض حجم العمالة الوافدة، فليس المقصود بالضرورة التغيير الجذري في حجم هذه العمالة، وليس بالضرورة أن تتم خلال فترة زمنية قصيرة، لكن المطلوب هو الاتفاق على تحقيق انخفاض ملموس خلال إطار زمني معقول. وفي اعتقادنا أن ذلك ممكن دون الإضرار بمستوى النشاط الاقتصادي المستهدف هذا في الوقت الذي يمكن أن يترتب على مثل هذا الإجراء تقليل من الاختلال في التركيبة السكانية، إضافة إلى توفير مبالغ مالية مهمة على اقتصادات دول المنطقة من خلال تقليص حجم التحويلات المالية التي تذهب سنوياً إلى الخارج. وأما في ما يخص وضع معايير واشتراطات جديدة لدخول وعمل العمالة الوافدة، فبدون شك أن مثل هذا الإجراء مطلوب على ضوء التجربة الحالية، وكذلك بسبب التطورات المستجدة، وخاصة على صعيد النواحي الصحية. فالمقاولون وكفلاء هذه العمالة لا بد أن يكونوا على استعداد لتحمل تكاليف توفير البيئة الإنسانية والصحية اللازمة لمعيشة وعمل هذه العمالة، حيث إن هذه المسألة تنعكس على سمعة البلد على الصعيد العالمي، كما أنها لازمة لضمان حماية الأمن الاجتماعي والأمن الصحي لدول المنطقة. ولتحقيق هذه الأهداف لا يكفي أن توكل هذه المهمة إلى إدارة أو قسم في وزارة قد لا تحظى بالاهتمام اللازم، بل إن هذه العملية نظراً لأهميتها تحتاج إلى جهة متفرغة، وقد يصل الأمر إلى الحاجة إلى تكوين أو تشكيل وزارة مستقلة توكل إليها هذه المهمة، وتكون مسؤولة عن وضع السياسات والأهداف ومتابعتها، والتأكد من تحقيق الإنجاز المطلوب وفقاً لبرنامج زمني واضح ومتفق عليه. * الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

مشاركة :