أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما موافقة إدارته على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا مع فتح السفارتين في عاصمتي البلدين في وقت لاحق من الشهر الحالي، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستفتح فصلا جديدا في العلاقات بعد قطيعة دامت بين واشنطن وهافانا لأكثر من خمسين عاما. وأرسل الرئيس الأميركي رسالة إلى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو يعلن فيها رسميا إعادة تطبيع العلاقات. وقال أوباما في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض أمس: «منذ أكثر من 54 عاما في ذروة الحرب الباردة أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في هافانا واليوم يمكنني أن أعلن أن الولايات المتحدة وافقت على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية كوبا وإعادة فتح السفارتين في البلدين». ورأى أن هذه «خطوة تاريخية نحو الأمام في جهودنا الرامية لتطبيع العلاقات مع الحكومة والشعب الكوبي وفتح فصل جديد في العلاقات مع جيراننا في أميركا الجنوبية». وقال الرئيس الأميركي أيضا: «قبل عام كان يبدو من المستحيل أن الولايات المتحدة سترفع علمها على السفارة في هافانا، وهذا هو التغيير». لكن أوباما شدد على أن التطبيع الكامل للعلاقات قد يستغرق بعض الوقت، فقال: «لا أحد يتوقع أن تتغير كوبا بين عشية وضحاها، لكن أعتقد أن الانخراط الأميركي من خلال السفارة والقيام بصفقات تجارية والتعاون بين الشعبين هو أفضل وسيلة لتعزيز مصالحنا بما يدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان». وفي الوقت الذي بثت فيه قنوات التلفزيون الأميركية خطاب أوباما كان القنوات الكوبية تبث الخطاب على الهواء مباشرة. وأشار أوباما لذلك بقوله إنه يجب ألا نبقى سجناء للماضي. بدوره، أعلن الرئيس الكوبي راؤول كاسترو في رسالة موجهة إلى نظيره الأميركي، إعادة العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة. وكتب كاسترو في هذه الرسالة التي تليت على التلفزيون الوطني «بكل سرور أتوجه إليكم في رسالة لأؤكد أن جمهورية كوبا قررت إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وفتح بعثات دبلوماسية في كل من بلدينا في 20 يوليو (تموز)». وقبل ذلك أعلنت وزارة الخارجية الكوبية في بيان أن هذه العلاقات الدبلوماسية ستستأنف (اعتبارا من 20 يوليو). وفي الصباح سلم دبلوماسي أميركي رسالة من أوباما إلى السلطات الكوبية يبلغها بقرار استئناف العلاقات بعد قطيعة منذ 1961. وكان الرئيس الأميركي قد أعلن نيته المضي قدما في إعادة العلاقات بين البلدين عقب عملية تبادل للأسري وإطلاق سراح السجين الأميركي في سجون كوبا آلان غروس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وخلال الأشهر التالية عقدت عدة اجتماعات بين كبار الدبلوماسيين الأميركيين ونظرائهم الكوبين لمناقشة القضايا المتعلقة بإعادة تطبيع العلاقات. وكانت نقاط الخلافات التي سادت المحادثات تتعلق برغبة الجانب الأميركي إتاحة حركة واسعة لموظفي السفارة في جميع أنحاء البلاد، فيما تحفظ الجانب الكوبي على الدورات التدريبية التي كانت يقدمها قسم رعاية المصالح الأميركية في هافانا للصحافيين الكوبين وانتقدت الحكومة الكوبية تلك الدورات التدريبية وقالت إنها تقع خارج الأنشطة الدبلوماسية العادية. وفي الوقت الذي سيكون فيه افتتاح سفارتين في البلدين معلما هاما في تحسن العلاقات، فإن هناك قضايا كبيرة تعرقل التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين منها المحادثات بشأن حقوق الإنسان ومطالب التعويض عن مصادرة الممتلكات الأميركية في هافانا، والأضرار التي لحقت بكوبا من الحصار، وإمكانية التعاون بين البلدين في مجال تنفيذ القانون. ويشمل هذا التعاون الملف الأكثر حساسية، وهو إيواء هافانا للخارجين عن القانون من الأميركيين. واجتمع أوباما لأول مرة مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في أبريل (نيسان) الماضي في مدينة بنما، حيث عقد اجتماع تاريخي وجها لوجه بين الرئيسين في قمة الأميركتين. وفي مايو (أيار)، رفعت الولايات المتحدة كوبا من لائحة الدول الراعية للإرهاب، علما بأن كوبا كانت أدرجت على تلك اللائحة منذ عام 1982. ويسعى الرئيس الأميركي لحث الكونغرس على إلغاء الحصار الاقتصادي على كوبا رغم المقاومة الشديدة من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين المعارضين لتطبيع العلاقات والذين يرون أن رفع الحصار الاقتصادي سيكون «مكافأة» للنظام الكوبي الذي يملك، برأيهم، سجلا بانتهاكات لحقوق الإنسان. وبينما أعلنت الحكومة الكوبية أنها ستفتتح سفارتها في الولايات المتحدة في 20 يوليو، فإن من المتوقع أن تفتتح الولايات سفارتها في هافانا أواخر الشهر ذاته. وأوضح أوباما أن وزير خارجيته جون كيري سيسافر إلى هافانا ليرفع العلم الأميركي على مقر السفارة الأميركية في هافانا مرة أخرى. ولم يعرف على الفور الشخصية التي سيختارها أوباما لشغل منصب سفير لدى كوبا، وسط معارضة عدد كبير من المشرعين في الكونغرس الأميركي لتطبيع العلاقات مع كوبا مما سيعقد أي ترشيحات محتملة. في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي، إنه لا تزال هناك خلافات كبيرة بين الولايات المتحدة وكوبا، لكن الفتح المقرر لسفارتي البلدين يمكن أن يساعد في الحد منها. وعلى هامش المحادثات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في فيينا، قال كيري إن «الولايات المتحدة وكوبا لديهما خلافات حادة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والقضايا ذات الصلة». وتابع: «استئناف الأنشطة الكاملة للسفارة سيساعدنا في التعامل مع الحكومة الكوبية بشكل أكبر وعلى مستوى أعلى»، مضيفا أن هذا من شأنه أن يسمح للدبلوماسيين الأميركيين بالتواصل بشكل أفضل مع الشعب الكوبي. وتواجه سياسات أوباما لتطبيع العلاقات مع كوبا معارضة كبيرة من عدد من المشرعين. وقال السيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو الذي هاجرت أسرته من كوبا إلى الولايات المتحدة والمرشح لسباق الرئاسة الأميركية لعام 2016 عن الحزب الجمهوري «خلال المفاوضات التي جرت بين الحكومتين كثف نظام كاسترو قمعه للشعب الكوبي وتغافلت إدارة أوباما عن النظر لهذا القمع وقدمت التنازلات الواحد تلو الآخر»، لكن عددًا من الديمقراطيين أيدوا إعادة تطبيع العلاقات، واعتبروا ذلك نصرًا للسياسة الخارجية لإدارة الرئيس أوباما.
مشاركة :