جميع الدول تضطر لاستقدام العمالة الماهرة والتخصصات النادرة باستثنائنا نحن (الذين نستقدم النطيحة والمتردية والفاشل في بلاده)! .. جميع الدول تحاول فعل ذلك من خلال استقطاب الحد الأدنى منها فقط - ولسد أوجه نقص مؤقتة - باستثنائنا نحن حتى كدنا نختفي بين أجناس آسيوية مستوطنة!! .. ورغم أننا أقل من قطر والإمارات في حيث نسبة الوافدين للمواطنين، إلا أننا نعاني أكثر من الجميع من حيث كثرة المتخلفين ونسبة "اللانظاميين" بيننا.. وحين تتأمل سبب تفردنا بهذه الظاهرة تكتشف ثلاثة أسباب رئيسية: الأول قدوم أعداد هائلة من المتخلفين تحت غطاء الحج والعمرة.. والثاني وجود مواطنين يتاجرون بالتأشيرات والتستر على المتخلفين.. والثالث اختلال ثقافة العمل لدينا كوننا أدمنا العمالة "الرخيصة" وترفعنا عن العمل اليدوي. وأياً كان السبب يصبح من واجب الدولة التحرك لمعالجة هذه المشكلة.. من واجبها حماية مجتمعها ومن يعيشون داخلها من اختلال سوق العمل وتداعيات البطالة - بما في ذلك المتخلفون أنفسهم الذين أصبح جزء كبير منهم عاطلا عن العمل.. فالمواطن - وإن ظل عاطلا لفترة - سيجد من يؤويه ويصرف عليه حتى يمن الله عليه بعمل شريف، ولكن الوافد والمتخلف لا يملك هذه الامتيازات ويضطر لفعل أي شيء (بما في ذلك الانحراف ومخالفة القانون) لمجرد البقاء ليوم آخر.. والوجه المقابل لهذه المشكلة يتمثل في ضرورة توفير فرص عمل شريف لأبناء الوطن ذاته.. فمعاهدنا التقنية (كمثال) تخرج منذ أربعين عاما أيدي متخصصة تستغرب أين تذهب ولماذا تختفي وكيف لا نراها في أسواق العمل لدينا؟ صحيح أن هناك أعمالا مازلنا نترفع عن مزاولتها (كما في قطاع البناء والمقاولات) ولكن تتبقى أعمال كثيرة يرغب السعوديون في اقتحامها لولا احتكار ومنافسة العمالة الرخيصة.. في هذه الحالة يصبح من واجب السلطات التحرك لتعديل الموازين وإحلال المواطنين - أو على الأقل مشاركتهم - في أسواق العمل المربحة.. فاختلال سوق العمل لدينا لا يعود كله الى انخفاض الرواتب حتى يتعذر البعض بعدم إقدام شبابنا على العمل.. فأسواقنا الحرة ومشاريعنا الصغيرة توفر أرباحا مجزية تفوق مايتمناه أي انسان.. وهذا لوحده يؤكد بأن النسبة المنخفضة للمواطنين في هذه القطاعات يعود الى احتكار العمالة الأجنبية لمعظمها - وليس الى ضعف مداخيلها.. فالورش الصناعية، وتجارة الأغذية، وقطاع الاتصالات، مجرد نماذج لمشاريع صغيرة يملكها وافدون ومتخلفون (يعلمون مسبقا) عدم قانونية امتلاكهم لهذه الأعمال.. ومع هذا؛ لا يجب أن نتجاهل مسألة التوازن الاقتصادي واضطراب سوق العمل الذي قد ينجم عن تفريغه المفاجئ من العاملين فيه.. لا يجب أن نعمد لترحيل الجميع قبل احلال أبناء الوطن بالتدريج في ذات الأعمال الصغيرة.. لا يجب أن نعزف على وتر المواطنة ونتجاهل أن المتخلفين والوافدين بشر لهم حقوق إنسانية تقتضي إيجاد حلول كريمة حتى وإن خالف بعضهم أنظمة البلاد! وحملة التصحيح الحالية جزء من الحل نتمنى ألاّ تتوقف قبل تصحيح سوق العمل بشكل نهائي.. نتمنى أن تستمر ضمن خطة أكثر شمولية (وإدارة متخصصة بهذا الشأن) تعتمد على الإحلال التدريجي للمواطنين / مقابل تشجيع المتخلفين على العودة لأوطانهم.. ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج؛ ليس أفضل من معالجة (ظاهرة العمالة المتخلفة) من منع حضورها أصلا، والوقوف بحزم أمام المتسترين و"تجار الفيز" من المواطنين.. وبطبيعة الحال؛ سد أي ثغرات محتملة في أنظمة القدوم والمغادرة !!
مشاركة :